ذ.محمد الحجام
ودعنا سنة 2012 واستقبلنا سنة 2013 ونحن أمام عدة تساؤلات، عن واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
فما هي الأجوبة التي حملتها لنا سنة 2012 عن هذه التساؤلات؟ وما هو الأمل الذي يمكن أن نعقدها على سنة 2013؟
لقد تميزت سنة 2012 التي أصبحت الآن خلفنا بتولى حزب المصباح مقاليد الحكومة في ظل الدستور الجديد الذي صوت عليه المغاربة (والأصح جزء من المغاربة
عند وصوله إلى الحكومة (وليس إلى الحكم)، أتى حزب العدالة والتنمية بعدة وعود ومنها على الخصوص محاربة الفساد والمفسدين وبناء اقتصاد قوي يستند على الشفافية والتنافسية وممارسة الصلاحيات الدستورية الجديدة التي أتى بها الدستور الجديد (رغم محدوديتها
وفعلا فقد تميزت المرحلة الأولى من الحكومة الملتحية بنشاط وحيوية جديدتين على المشهد السياسي المألوف وأخذوا يلتفون حول مظاهر الفساد المتفشي في جميع دوالب الدولة، وقدموا مقترحات لا تخلو من جرأة وبصفة خاصة في ميدان الإعلام، وتم نشر لوائح المستفيدين من ريع النقل تلتها فيما بعد لوائح المستفيدين من ريع المقالع
إلا أنه لم تستمر إلا مرحلة قصيرة، حتى خبت هذه الحيوية وأصبحت سياسة محاربة الفساد المرفوعة سياسة تبرير الفساد وإعلان الانهزام التام أمامه، فقد صرح السيد بنكيران بأن الفساد عصي على المعالجة، وأن الله عفا عما سلف
وصارت الحكومة مجرد آلة معطلة أعلنت انهزامها وكادت تصبح نكرة لا وجود لها ولا تأثير على الساحة السياسية والاجتماعية، اللهم فيما يتعلق بالزيادات المتتالية في المحروقات وفي الماء والكهرباء، مع ما يصاحب ذلك من زيادات في المواد الغذائية، مما زاد في تفقير المجتمع
إذن إن الحكومة الحالية لم تنفذ من وعودها التي قطعتها على نفسها أي شيء، بل زادت من معاناة الشعب المغربي الذي لم يشعر بأدنى تغيير
لذلك فالمغاربة قد ودعوا سنة 2012 وهم يحملون نفس الانتظارات لسنة 2013 (بل تعمقت)، فبماذا تبشرنا إذن هذه السنة الجديدة وهل تحمل في تناياها بعض الإرهاصات التي قد تفتح أمامنا بعض الأمل
إن المعطيات التي نتوفر عليها تدفعنا إلى التشاؤم أو بعبارة أخرى إلى انسداد آفاق الأمل، ففي الساحة السياسية لبس كل من حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لباسا جديدا لم نعهده من قبل، ألا هو لباس الشعبوية، فلم يقع نقاش في الأفكار والرؤى والبرامج ولا مقارعات إيديولوجية، بل العكس من ذلك، أصبحت اللغة الانهزامية هي السائدة والمبنية على مبدإ: "هذا ما هو متوفر حاليا في الساحة الحزبية والسياسية"، بمعنى آخر أن الحزبين المذكورين أصبحا عقيمين إلى درجة أنهما لم يستطيعا إفراز خلف في مستوى السلف
وفي الاقتصاد سادت لغة التشاؤم، فقد ازدادت الأزمة سوءا واستفحالا، فالسيولة أوشكت أن تجف والاحتياط في العملة الصعبة في أدنى مستوياته بينما بلغ العجز التجاري أعلى درجاته
وفي الميدان الاجتماعي لازال الشعب المغربي ينتظر أن يلج إلى العلاج في المستشفيات العمومية وأن يدرس أبناءه وأن ينعم بعدالة عادلة
مرت سنة 2012 وفي قلب المغاربة كثير من الإحباط، ولم يبق أمامهم إلا أن يحملوا همومهم وانشغالاتهم من سنة 2012 إلى 2013، إلا أن ذاكرة الشعب لا تنسى فقد حمل هذه الانتظارات منذ زمن طويل وقد يصل يوم ينفذ صبره، وطاقة تحمله
فكل عام والشعب في انتظار العام القادم، لكن الزمن الحالي لم يعد فيه متسعا لتأجيل تحقيق الاحتياجات المشروعة للفئات الشعبية العريضة، والتي مافتئت تزداد اتساعا لتطال حتى الاحتياجات الضرورية للحياة، كما تدهورت حالة الفئات الوسطى التي تعتبر اللحمة الضامنة لاستقرار التركيبة الاجتماعية، وبدأت هاته الفئات الوسطى بدورها غير قادرة على ضمان شغل لأبنائها رغم نجاحهم في التحصيل الدراسي والشواهد العليا، ولم تعد كذلك قادرة على مواجهة المرض أمام تدني الخدمات الصحية العمومية، رغم ادعاء وزعم الحكومة بتعميم الخدمات الصحية حتى على الفقراء (نكتة بطاقة راميد، وإدخال طائرات الهيلكوبتر للخدمات الاسعافية)، ونفس الشيء بالنسبة لوضع التعليم والبحث العلمي والقضاء و
إن المستقبل المنظور والزمن الحالي تحول فيه مجتمعنا إلى أقلية محتكرة للثروة الوطنية وأغلبية ساحقة مغلوبة في متطلبات الحياة اليومية، إنه مجتمع الأوليغارشية العتيق، والغير القابل للاستمرار في هذا الزمن، زمن العولمة والثورة الاعلامية وتحرير المعلومة وما أنتجه من جيل ومن قاعدة عريضة من الشعب تزداد اتساعا، قاعدة لا تدين بالولاء لا للأحزاب "الشرعية" ولا للدولة، لأن الأولى أصبحت تمثل وتبرر نفوذ مصالح المخزن الريعي المهيمن في الدولة لذا الشعب، والثانية أصبحت خدماتها في تراجع لذا الشعب، إذن ف 20 فبراير لازالت شروطها الموضوعية ومطالبها مطروحة في جدول الأعمال، وإذا كانت سنة 2012 سنة انتصار المخزن على 20 فبراير، نتمنى أن تكون 2013 سنة حافلة بتنازلات المخزن الاقتصادية لصالح الشعب، لأن ما سجل من تكريس لبعض مظاهر حرية التعبير هو أمر واقع وليس هبة، وإلا فإن المسافة المتبقية لازمانيا ولا جغرافيا غير كافية لتأجيل التغيير الحتمي الذي يمكن أن يأتي من الجغرافية إذا خنق في السياسة والتاريخ (نموذج التطورات الجارية في الجهوية بالصحراء وعلاقتها الجدلية بباقي جهات المملكة الشريفة
ذ.محمد الحجام
مدير نشر جريدة ملفات تادلة