بنك مغربي يشيد بالتجربة الاجتماعية الفرنسية
ويعبث بقانون الشغل المغربي
بنك وطني مغربي مائة في المائة مقره الاجتماعي في الرباط يعيش أوضاعا غريبة وغير مفهومة. هذا البنك الذي ظاهريا يوجه عبر حملاته الإعلامية للصحافة الوطنية باللغتين العربية والفرنسية وعبر المواقع الإلكترونية، صورة بنك عصري متطور ومنخرط في مجالات اشتغاله، يخفي باطنيا العديد من السلبيات والنواقص على كل الأصعدة وخاصة الاجتماعي منه.
لقد تم الحديث كثيرا عن الاحتقان الاجتماعي داخل هذه المؤسسة البنكية الوطنية والتي تتجلى في ضرب الحريات النقابية ورفض العمل النقابي والضغط والتخويف والتهديد في حق النقابيين وكذا غياب أي حوار منذ يونيو 2011، رغم وجود مندوبي للأجراء منتخبين بطريقة ديمقراطية خلال انتخابات مندوب الأجراء سنة 2009 .
كما تعرف هذه المؤسسة البنكية سياسة اجتماعية تمييزية، بحيث يتم بدون خجل وعلى مرأى ومسمع الجميع زيادات شهرية خيالية في الأجر للمحظوظين والمقربين من الإدارة والمدافعين عنها، ويحرم الأغلبية من المستخدمين والأطر من زيادة تمكنهم من تحسين وضعهم الاجتماعي.
أما فيما يخص الترقيات للأصدقاء والأحباب فحدث ولا حرج. وذلك في غياب كلي للمساطر الشفافة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. لقد استطاع بعض المقربين بدبلومات عادية وسنوات اشتغال قليلة أن يصبحوا بين عشية وضحاها يتبوؤن مناصب عليا . أما الأطر ذات الكفاءة والتجربة فهي مهمشة ومغيبة بالكامل، وذلك في غياب تام لمخطط مسار مهني واضح وشفاف بالمقاولة. كما ينفرد هذا البنك الوطني بوجود مستخدمين بدون هوية وبدون عقود عمل ولاضمان اجتماعي ولاعطل سنوية ولاتقاعد...
إن النتيجة الطبيعية لهذا الوضع الاجتماعي الغريب هو بروز ظواهر فريدة من نوعها، تتجلى في ضرب عرض الحائط كل القوانين المؤطرة للعمل داخل المقاولة وصدور قرارات ومواقف من طرف بعض المديرين لتلميع صورتهم دون الانتباه إلى وقوعهم في المحظور.
أحسن مثال على ذلك هو ما صدر من آراء ومواقف في النشرة الإخبارية عدد 17 لمديرية الموارد البشرية والذي تم توزيعه على أكثر من 3400 مستخدم وإطار بالمؤسسة البنكية وعرضه على الموقع الالكتروني الداخلي للمقاولة.
خُصص هذا العدد من النشرة الإخبارية لموضوع الحصيلة الاجتماعية السنوية. وتم الحديث في جزء كبير من هذه النشرة عن التجربة الفرنسية بتفاصيل دقيقة. هكذا تشير النشرة لتواريخ ظهور الحصيلة الاجتماعية السنوية في فرنسا خلال سنوات الستينات من القرن الماضي وصدور مراسيم تطبيقها سنة 1977، والتذكير أنها ملزمة للمقاولات والمؤسسات الفرنسية التي تشغل أكثر من 300 أجير وأنها تقدم خلال الأربعة الشهور الأولى من كل سنة وأنها تقدم حسب تعبيرها للجهات الفاعلة في الحقل الاجتماعي.
وتزيد النشرة لتذكرنا بأرقام دقيقة كون الحصيلة الاجتماعية السنوية بفرنسا تتضمن 72 معلومة و134 مؤشر تهم سبعة فصول رئيسية تقدمها بالنقطة والفاصلة كما يلي: التوظيف، الأجور وباقي النفقات، الصحة والسلامة، ظروف حفظ الصحة والسلامة، ظروف أخرى للعمل، العلاقات الاجتماعية، ظروف أخرى متعلقة بالحياة داخل المؤسسة.
لكن للأسف، لا حديث عن التجربة الاجتماعية المغربية في جانبها المتعلق بالحصيلة الاجتماعية السنوية ولو بسطر واحد في نشرة احتوت على 31 صفحة. هذا في مغرب حاز على استقلاله لما يفوق الخمسين سنة والذي راكم رصيدا مهما في المجال الاجتماعي.
ولاسغف، ظ ا للعمل داخل المقاولاتلا حديث يذكر كذلك عن النقابات المغربية ولا عن قانون الشغل المغربي ولا عن دور مندوب الأجراء المغاربة ولا عن القوانين المغربية المنظمة للعلاقات الاجتماعية ما بين المشغل والأجراء، ولا عن التجربة المغربية في المجال الاجتماعي، داخل النشرة عدد17 لمديرية الموارد البشرية لشهر دجنبر2012.
لم تقف النشرة المذكورة لمديرية الموارد البشرية لهذا البنك الوطني المغربي عند هذا الحد، بل أتحفت قرائها بصفحات أخرى تتحدث عن الحصيلة الاجتماعبة السنوية وذلك عبر مقالات وكتب كلهم لفرنسيين ولمواقع فرنسية.
إن المتصفح للإنترنيت سوف يجد العديد من المقالات والدراسات والأبحاث الاجتماعية لمغاربة داخل وخارج الوطن يتحدثون عن الحصيلة الاجتماعية السنوية بالمغرب، سواء تعلق الأمر بالحصيلة الاجتماعية للحكومة المغربية أوللمقاولات والمؤسسات بالمغرب.
قامت أيضا مديرية الموارد البشرية لهذا البنك الوطني المغربي باخبار أطر ومستخدمي المؤسسة بأنها تصدر سنويا تقريرا حول الحصيلة الاجتماعي وذلك منذ 2009 إلى يومنا هذا. المشكل أن مندوب الأجراء خلال كل هذه السنوات لا علم لهم بهذه النشرة ولا بالتقرير عن الحصيلة الاجتماعية. فلمن اذا كانت توجه بالضبط؟
الأخطر ما في الأمر،نن طريق هذه النشرة رة الإخبارية.عية للمقاولة هو أن نشرة مديرية الموارد البشرية تعلن لأجراء المقاولة، على أنه خلافا للقانون الفرنسي فإن المشرع المغربي لا يلزم المؤسسات والمقاولات المغربية بالحصيلة الاجتماعية السنوية. هذا بطبيعة الحال تجاهل تام للمسؤول عن الموارد البشرية بالمقتضيات الواردة بالمادة 466 من مدونة الشغل المغربية التي تنص على أنه "في إطار المهام الاستشارية للجنة المقاولة يعهد إليها بالمسائل التالية:... الحصيلة الاجتماعية للمقاولة عند إقرارها...".
السؤال البديهي الذي يتفرغ عما سبق ذكره هو: هل يتوفر هذا البنك الوطني المغربي على لجنة المقاولة؟ نعم، إذ، سبق لرئيس الإدارة الجماعية لهذا البنك الوطني أن أصدر مذكرة إخبارية تحت رقم 02/2009/د بتاريخ 04 يونيو 2009 يحدد فيها تشكيلة وأعضاء لجنة المقاولة المنتخبة من مندوبي الأجراء.
إن لجنة المقاولة لم تجتمع قط ولو لمرة واحدة رغم طلب وإلحاح مندوب الأجراء كل هذه السنوات منذ يونيو 2009. كما عملت الإدارة على تهميش لجنة المقاولة كمكون اساسي واستراتيجي للعلاقة الشغلية التي تربط المشغل بالاجير باعتبارها المعبر عن صوت الأجراء داخل المقاولة.
إن هذا البنك يكون هكذا قد عمل على خرق مقتضيات مدونة الشغل المغربية التي تنص على أن اجتماع لجنة المقاولة يكون مرة كل ستة أشهر وكلما دعت الضرورة لذلك (المادة 467 من مدونة الشغل المغربية).
أما المغالطة الأخرى الواردة في النشرة الإخبارية لمديرية الموارد البشرية، هو كون الحصيلة الاجتماعية السنوية لسنة 2011 هي نتاج سياسة الحوار مع مندوب الأجراء. الحقيقة أن إدار هذا البنك الوطني المغربي قررت بصفة أحادية إيقاف كل اللقاءات والمفاوضات مع مندوب الأجراء منذ مايو 2011 إلى يومنا هذا دون تقديم أي مبررلذلك .
هذا جزء صغير من الوجه الخفي لجبل الجليد لهذا البنك الوطني المغربي .
المعاشي محمد
الكاتب العام للجامعة الوطنية لمجموعة القرض الفلاحي للمغرب
الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب