اعتدنا في هذا الركن أن نتناول حدثا هاما جهويا أو وطنيا وقع في المدة الفاصلة مع العدد السابق من الجريدة، وهذه المرة خصصناه لحدث السنة، وكانت حيرتنا كبيرة في الاختيار لكثرة الأحداث الهامة بجهتنا ووطننا ودوليا، و مما زاد حيرتنا في الاختيار هو أبرز موضوع لنهاية السنة، فقرر الزملاء في هيئة التحرير أن الترحيل القصري الذي أقدمت عليه سلطات طنجة لمجموعة من المواطنين ورميهم ببني ملال هو أهم حدث في السنة
وفعلا أنجزنا مقالا مؤثرا في الموضوع أبرزنا من خلاله الدلالات الجارحة للحدث، وأثناء تصفحنا للبريد الإليكتروني وفايسبوك الجريدة، وصلنا مقالا/ قراءة قانونية في الحدث، فقررنا نشرها حرفيا كما وصلت
لازالت آلة الداخلية تشتغل وفق مزاجها حيث طالت اختصاصات السلطة القضائية إثر قيامها يوم 26 دجنبر 2012، بإفراغ حمولة بشرية تتكون من 74 فردا منهم قاصرون وتلاميذ وعجزة بشارع محمد السادس – طريق الخمسين- بني ملال، مرحلين إليها من مدينة طنجة، حيث توجهوا بعد إنزالهم إلى وسط المدينة جماعات مما أثار انتباه الساكنة، ودعا الجمعيات الحقوقية للحضور. وقد تبين بعد لقاء الجمعيات الحقوقية بهم أنه تم تجميعهم رغما عن إرادتهم واحتجازهم من طرف سلطات مدينة طنجة لتم تحميلهم في حافلتين ليلا بدون مبرر قانوني ولا معرفة الجهة التي يقصدونها، إلى أن فوجئوا بإنزالهم دفعة واحدة ببني ملال، دون اكتراث ما يمكن أن يعرضهم للخطر، خاصة القاصرين منهم، بدعوى كونهم مشردين ومتسولين أساؤوا إلى جمالية المدينة، في مخالفة صريحة للقوانين المنظمة لعملية الإبعاد والمنع من الإقامة أو الإقصاء التي تنظمها الفصول 40، 63، 83، 326 و 333 من القانون الجنائي المغربي، والتي تجرم الأفعال التي يمكن بمقتضاها منع أشخاص معينين من الإقامة داخل نفوذ دائرة ترابية معينة إثر ارتكابهم الأفعال المنصوص عليها وفق الفصول السالفة الذكر، والتي تعطي الحق للقضاء وحده ودون سواه تتميم أحكامه بالنص على إبعاد أي شخص أو منعه من الإقامة أو إقصاؤه بعد ثبوت الجرم المتابع من أجله وبنص القانون
وقد حدد القانون الجنائي بدقة صفتي التشرد والتسول، فالفصل 326 من القانون الجنائي ينص على ما يلي: " يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل العيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان." أما الفصل 329 من نفس القانون فينص على أنه " يعد مشردا ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر من ليس له محل إقامة معروف ولا وسائل للعيش ولا يزاول أية حرفة أو مهنة رغم قدرته على العمل، إذا لم يثبت أنه طلب عملا ولم يجده أو إذا ثبت أنه عرض عليه عمل بأجر فرفضه" وفي الحالتين المذكورتين أعلاه لا ينص المشرع على إمكانية الحكم بالمنع من الإقامة إلا في الحالة المنصوص عليها في الفصل 331 الذي مفاده أنه " يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل متسول ولو كان من ذوي العاهات و كل متشرد يوجد حاملا أسلحة أو مزودا بأدوات أو أشياء مما يستعمل لارتكاب جنايات أو جنح
وقد منح المشرع المحكمة إمكانية وضع الأشخاص موضوع المقال أو غيرهم من معتادي ارتكاب الأفعال الإجرامية إمكانية الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية من أجل أية جناية أو جنحة عقابها الحبس الزام مقترفها بأن يقيم في مركز مختص يكلف فيه بأشغال فلاحية، وذلك إذا ظهر للمحكمة أن إجرامه مرتبط بتعوده على البطالة أو تبين أنه يتعيش عادة من أعمال غير مشروعة ومنها التسول والتشرد
وحيث أن المجال لا يتسع لإبراز جميع الحالات التي يمكن فيها للقضاء والقانون وحده حق حرمان أي مواطن من حق من حقوقه الوطنية ومن بينها حقه في الإقامة داخل حدود بلده وباختيار ودون تدخل أية جهة كانت للتطاول على هذا الحق وهذا الاختيار، إلا بموجب حكم قضائي متمم للعقوبات الحبسية المقررة وفق الفصول المذكورة سالفا بالمنع أو الإيداع أو الإقصاء، تكريسا لسمو وسيادة القانون
وبهذا فكل إجراء تتخذه سلطة كيفما كانت أو جهة معينة يعتبر اعتداء على حرمة القضاء وسيادة القانون. وقد أقر المشرع عقوبات سالبة للحرية وأخرى بالحرمان من مزاولة والتمتع بالحقوق الوطنية لكل من سولت له نفسه احتجاز أو اختطاف أو اتخاذ أي فعل تحكمي مس بحق من حقوق المواطنة ومن بينها حقه في الإقامة بأي شبر من هذا الوطن تحت طائلة اعتبار أي إجراء خارج سلطة ومراقبة القضاء وتطبيق القانون يعد تجاوزا للسطلة وخارقا لفصول تنظم عمل السلطة
وحيث أن فعل الإدارة هذا الذي أقدمت عليه يدخل تحت مقتضيات الفصل 461 من القانون الجنائي ما دام بين المنقولين قاصرين وعجزة، فالفصل 461 من القانون الجنائي وتحت باب في خطف القاصرين ينص على : " من عرض أو ترك طفلا دون 15 سنة أو عاجزا لا يستطيع حماية نفسه بسبب حالته الجسمية أو العضلية في مكان خال من الناس فإنه يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة زيادة على ذلك فإنه يحكم عليه بالحرمان من حق أو أكثر من حقوقه الوطنية" والفصل 436 ينص على أنه " يعاقب بالحبس من 5 إلى 10 سنوات كل من يختطف شخصا أو يقبض عليه أو يحبسه أو يحجزه دون أمر من السلطة المختصة ( النيابة العامة) وفي غير الحالات التي يجيز فيها القانون أو يوجب ضبط الأشخاص. وتطبق العقوبة نفسها إذا كان مرتكب الفعل أحد الأشخاص الذين يمارسو سلطة عمومية أو أحد الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 225 من نفس القانون، متى ارتكب الفعل لغرض ذاتي أو بقصد إرضاء أهواء شخصية
وحيث أن فعل الاختطاف والاحتجاز والإبعاد والحرمان من الإقامة جاء إرضاء لأهواء شخصية حسب تصريحات المبعدين، الذين تم وعدهم بإطلاق سراحهم بمجرد مغادرة شخصية بارزة لمدينة طنجة، والأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 225 هم " كل قاض أو موظف عمومي أو أحد رجال أو مفوضي السلطة أو القوة العمومية بأمر أو يباشر بنفسه عملا تحكميا ماسا بالحريات الشخصية أو الحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر يعاقب بالتجريد من الحقوق الوطنية، لكن إذا ثبت أنه تصرف بناء على أمر صادر من رؤسائه في مادة تدخل في نطاق اختصاصهم ويوجب عليه طاعتهم فإنه يتمتع بعذر مخفف من العقاب وفي هذه الحالة تطبق العقوبة على الرئيس الذي أصدر الأمر.
وإذا كان العمل التحكمي أو المساس بالحرية الفردية قد ارتكب أو أمر به لغرض ذاتي أو بقصد إرضاء أهواء شخصية طبقت العقوبة المقررة في الفصل 436 إلى 440 المشار إليها، سابقا والتي تدخل في نطاق شطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد
إننا نعرض بعض فصول القانون الجنائي فيما يتعلق ويرتبط بحادث ترحيل مواطنين مغاربة من مدينة إلى أخرى رغما عن إرادتهم ودون أي سند قانوني، وليست هذه الحادثة معزولة بل تكررت على مدى سنوات في عدة أماكن دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنا، بحيث أصبحت السلطات تعامل المواطنين المغاربة " غير المرغوب فيهم" كما تعامل المهاجرين الأفارقة وهو ما كان موضوع احتجاج واعتراض عدد من الهيآت الحقوقية. هذا في الوقت الذي مازلنا على المستوى الرسمي نطالب الجزائر بتعويض المبعدين المغاربة عن ممتلكاتهم والضرر الذي لحق بهم جراء الإبعاد
متى تتحرك العدالة حتى لا يصبح المغاربة منفيين في وطنهم؟
ذ.محمد الحجام
مدير نشر جريدة ملفات تادلة