ما عاشه الاتحاد الاشتراكي وقبله الاستقلال، لا يعتبر حدثا عاديا في المشهد السياسي المغربي، ولم يكن متوقعا على الإطلاق قبل سنوات قليلة. فهل دخلت الأحزاب المغربية مرحلة التحولات الجذرية بعد جمود طويل عمر لعقود وسنوات؟
ما أفرزه مؤتمرا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، يعتبر ثورة بكل معنى الكلمة على منطق القيادات التي تعتبر امتداد للزعامات التاريخية، ونهاية إسقاط قادة الأحزاب بالمظلات في اللحظة الأخيرة، كما أنهى في الوقت ذاته احتكار فئات محدودة صناعة القائد وفق قواعد معروفة لدى مناضلي الأحزاب السياسية.
سيذكر التاريخ أن تولي حميد شباط، وإدريس لشكر، قيادة حزبين عريقين، يمثل قطيعة مع ما سبق في ما يتعلق بتوجه الأحزاب السياسية نحو انتخاب زعمائها على قاعدة الكفاءة والاستحقاق، على أن المستقبل القريب سيشكل اختبارا حقيقيا لقدرة الزعامات الجديدة على إعطاء مدلول حقيقي لنهاية حقبة، وبداية أخرى.
وفي الوقت الذي يعبر كثير من الفاعلين السياسيين همسا عن عدم رضاهم على نوعية القيادات الجديدة، فإن ما يحسب لكل من شباط ولشكر، هو ركوب قارب المغامرة السياسية، ونجاحهما في إقناع قواعد حزبيهما بأهليتهما لقيادة حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، بغض النظر عن الظروف التي أفسحت المجال لبروز القادة الجدد، والتي قد يتحمل مسؤوليتها شيوخ الأحزاب السياسية الذين احتكروا كراسي الزعامة أكثر مما تحتمل الطبيعة، فكان هذا “الزلزال” بتعبير أحد الفاعلين السياسيين غداة انتخاب شباط.
هناك الكثير من القواسم المشتركة بين شخصيتي شباط ولشكر، فهما ينتميان إلى جيل واحد، مشهود لهما بدهاء تنظيمي وبالقدرة على حسم المعارك السياسية بغض النظر عن الوسائل، إضافة إلى تعطشهما لاحتلال منصب الرجل الأول، تجلى ذلك في صعود شباط من لا شيء إلى قمة المجد السياسي، كما حدث مع لشكر الذي عرف كيف يستغل التناقضات التي يشهدها الحقل السياسي ليحجز لنفسه موقعا هاما في هرم حزب وازن، وقد تمرن سابقا على كيفية انتزاع مكاسب شخصية بعد تلويحه بالتحالف مع العدالة والتنمية بعد انتخابات 2009، لينظم لحكومة عباس الفاسي وزيرا مكلفا بالعلاقة مع البرلمان.
قد يصبح التركيز على فوز الرجلين بمناصب قيادية بحزبيهما غير مهم، بقدر ما يكتسي وضع هذه التجربة تحت المجهر أهمية كبرى لاستخلاص الدروس والعبر من تحولات ينتظر الجميع تداعياتها على المشهد السياسي الوطني، خاصة في ظل تنامي الحديث عن سقوط السياسة في فخ الشعبوية، وتخوف المتتبعين من صعود رموز هذا التيار إلى قمة الهرم السياسي الوطني.
لا شك أن المستقبل القريب سيحدد ملامح هذا التوجه الذي تشير العديد من المؤشرات إلى تمدده ليكتمل نادي الشعبويين بزعماء جدد على رأس باقي الأحزاب التي تستعد لاستحقاقات تنظيمية.
محمد البودالي رئيس تحرير كواليس اليوم