اليوم، وفي العيد الوطني للمرأة المغربية، أعلنها حتى لو لم يسمعها أحد، وحتى لو رد علي الصدى صوتي، وقال لي "تهدرين وقتك والتيار عال عليك" أقولها"أسفة، لن أحتفل
لن أحتفل، مادامت النساء في بلدي "يقتلن الميت ويمشين في جنازته"، ما دمن لا يردن أن يفهمن أن الرجل ليس بعدوهن الأول بل هي المرأة نفسها عدوهن، فالمرأة في بلدي من تتول تربية أجيال الغد بنسائه ورجاله، وهن من يتحملن مسؤولية التمثلات التي ينسجها الرجال منذ صغره على أيد نسائية حول المرأة، فلم لا يردن تحمل المسؤولية حين يتعرضن لظلم هن من شيد أسسه، ويشرف على إعادة إنتاجه؟
لن أحتفل، ما دامت النساء في بلدي لا زلن يرين في أن البيت هو المآل النهائي لنسائه، مادمن يرين أن أفضل ضمان للفتاة هو تزويجها في سن مبكرة، ما دمن يرين في النساء اللواتي لم يجدن نصيبهن بعد أنهن مجرد "عوانس"، بل هن جثث تمشي على قدمين، ما دمن يرين أن تلك التي حالفها الحظ ووجدت نصيبها أو حتى استجدته لكنها لم تكرم بعد بأطفال ما هي إلا نصف امرأة
لن أحتفل، مادامت هناك من نساء بلدي من اللواتي حظين بتعليم عال، وفرص عمل أعلى، يقبلن على الارتباط برجل ليس عن اقتناع به-ولن أطمع أكثر وأقول حبا فيه مادامت هذه الكلمة باتت مستهجنة من قبل الكثيرين- ولكن طمعا في "ذهب أبيض" اسمه "الحيوان المنوي"، كل ذلك بهدف تحقيق حلم الأمومة، وأحيانا كثيرة بحثا عن اعتراف كامل بوجودهن في مجتمع أصبح يشجع نساءه على الطلاق مادمن قد حصلن على أبناء، وما دمن قد حققن الاستقلال المادي
لن أحتفل، مادامت النساء يحتكرن تربية الأبناء والبنات، بل يسمحن لأنفسهن بتوظيفهم في ممارسة الضغط على أزواجهن من أجل الحصول على مآربهن
لن أحتفل، مادامت نساء من مختلف فئات المجتمع لا زلن يؤمن بأن السحر والشعوذة وسيلة محمودة لتحقيق المساواة مع الرجل، بل حتى إخراس صوته، وأحيانا كثيرة تجميد قدراته العقلية
لن أحتفل، مادام حوالي ثلاثين رضيعا يتم التخلي عنه يوميا دون أدنى إحساس إنساني، ودون أي رغبة في تحمل المسؤولية، تحت ذريعة الخوف من العائلة، أو من ظلم المجتمع
لن أحتفل، مادامت فتيات بلدي لا زلن يجدن في ترميم العذرية حلا يسهل عليهن الالتحاق بركب الزواج، ولايجدن غضاضة في بدء حياتهن الزوجية بكذبة كبيرة بدل التحلي بالصراحة، وتحمل مسؤولية اختياراتهن
لن أحتفل، مادامت "نسائيات" بلدي، يأكلن الثوم بفم"ضعاف نسائه"، يحضرن الملتقيات، والمؤتمرات، والندوات، ليتباكين طلبا لتمويلات لمشاريع لا نرى ثمارها على أولئك اللواتي باسمهن تم الحصول على أموال طائلة، والذهاب إلى أماكن قريبة وبعيدة، وتحقيق أمجاد بنيت فوق تلال من تعاسة بنات جنسهن
لن أحتفل، إلا يوم تقتنع نساء بلدي بأن حلم المساواة إنما هو مجرد وهم لم يزد المرأة إلا ثقلا على أثقالها،لن أحتفل إلا يوم تعي نساء بلدي أن العدالة هي الحلم الذي يجب أن يصبح حقيقة بدل وهم المساواة، لن أحتفل إلا حين تعترف نساء بلدي أن الظلم لا جنس له، ولا يفرق بين رجل ولا امرأة، لن أحتفل إلا يوم تقتنع بنات بلدي بأن حلاوة العيش مع رجل هي في "التكامل" معه، وليس في "المساواة" به
لن أحتفل إلا يوم تصارح المرأة في بلدي نفسها، تقتنع باختياراتها، وتتحلى بالشجاعة في ممارسة هذه الاختيارات، وتحمل تبعاتها، لن أحتفل إلا في اليوم الذي سيتوقفن فيه عن احتكار تشكيل ذهنية الأبناء،حين يتوقفن عن إعادة إنتاج أسس التفرقة بين الذكر والأنثى، حين يسمحن لرجال بلدي بالمساهمة في تربية أبنائه وبناته،حين تقوم تربية الاطفال على أساس العطف والاحترام بين الذكر والأنثى
لن أحتفل إلا حين نفتح حوارا صريحا بين نساء هذا البلد ورجاله، بعيدا عن الايديولوجيات الفكرية أو الحزبية أو حتى الدينية،،، فقط نتذكر أن الخالق خلق الكون من ذكر وأنثى، وأوصى الرجل بالمرأة خيرا، وأوصى المرأة ايضا خيرا بالرجل
فهل سيتسنى لي يوما الاحتفال بهذا اليوم الوطني، بدل شعور المرارة الذي يعتريني في كل ذكرى منه؟