استمتعت كثيرا بقراءة السيرة الذاتية لأنطونيو غــرامشي والذي يعد من أهم مفكري القرن العشرين ومنظري الفكر الاشتراكي..واحترمت الرجل كثيرا لإشادته بأصله الألباني ( ألبانيــا) وإصراره على مراسلة احدى قريباته بألبانيا رغم مرضه..للتذكير,لا توجد مدينة بايطاليا دون شارع يحمل اسم غرامشي
حسـن شاكــر
التجمع الديمقراطي للجمعيات المغربية بايطاليا
لكن لا أدري لماذا بعد نهاية القراءة تراءت أمامي لائحة أسماء مغاربة بايطاليا فرضت نفسها بقـوة..ربما مرجع ذلك الى تشابه ظروف عيش غـرامشي وترحاله وبحثه عن التـألـق في الفكر والصحافة والنقد والسياسة والتنظير رغم معوقات الفقر والمرض ..وأيضا السجن..أو ربما يعود الأمـرالى جينات خاصة بالمهاجرين.. فحتى أغلب الفقهاء والعلماء والفلاسفة المسلمين لم يكن أصلهم عربيا خالصا ولائحتهم طويلة...ـ
وهنا نقف على أن الهجرة هي مصدر قــوة ذاتية وحافـز خُـرافي للتفوق والتميز..أسماء لامعة كانت رغبتها في تحقيق الارتقاء الاجتماعي أكبر من كل معوقات الاندماج أو الخرجات العنصرية..ـ
إشــراقــات مغربية بايـطـالـيــا...ـ
دعــونا نسرد بعضا من الشموع التي تُـنير نفوس المهاجرين بايطاليا وتخفف من معاناتهم اليومية وتجعل الحلم ممكنا في زمــن أصبح فـيه الحلـم ..غـاية سُــورالـية..ـ
يجب التمييز بين فــئـة لا تُخْطؤهـا أضواء الإعــلام وتتكون من أبطال الرياضة والــفن و فــئـة أخـرى تحضى بتغطيات مناسباتية كالكتاب والشعراء وغيرهـم..ـ
لهـذا لم نستغرب عندما تصدرت صورة عادل تاعرابت لاعب فريق ميلانو الشهير جريدة " لاغازيتا ديلو سبورت" بعد أداءه الرائع كأساسي مع فريقـه الى جانب عادل رمزي بالاظافة الى آخرون في فئة الشبان بفريق ميلانو وعلى رأسهم الشاب "مستــور"..وقد عرف الكالشيو الايطالي هذا الموسم اكتساح أسماء مغربية بعد أن كان كـعـكـة يـقـتسمها نجـوم أمريكا الجنوبية فقـط..بل أكثر من هـذا فالمهدي بنعطية لاعب فريق روما..تتغزل به أشهـر الانـدية الأروبية وعلى رأسهـا فريق بـرصالونا الاسباني..دون أن ننسى القادوري وأشرف لزعـر ورشيد عـرمة وكان قبلهم الحسين خرجة مع نادي انتير ميلانو..أما التاريخ فيذكرنا بنكروز بفريق بـــاري..ـ
لم يقتصر الأمر على كرة القدم بل هناك أبطال رياضات أخرى بــدؤوا مسارهم بالمغرب كحفيظ سليــم وهـو امتـداد لأسـرة رياضية في فـنون الحرب بالمغرب ( البيضاء) ومن خلال جمعيته في رياضة المصارعة الحرة ببولونيا يسعى جاهـدا مع أبطال مغاربة آخرين كالملالي عبد الإلـه مناني الى تحقيق الـذات من خلال التدريب..صالح روزي بطل مغربي في الملاكمة لأكثر من مرة في الـوزن نصف الثقيل دخل مجال التدريب بعد حصوله على شواهـد فـدراليـة...الشعـبي محمد (الملقب ديـبيش) لاعب الاتحاد البيضاوي(طاس) سابقا يتحدث بجنون عن كرة القدم وبنفس العشق أسس فـريق الطاس بايطاليا قسـم هُـواة وينظم دوريات كرة القـدم والبحث عن مواهب كروية مغربية حاصل على ديبلومات عديدة في مجال التدريب...بالاظافة الى مغاربة يحتكرون المراتب الآولى في ماراطوانات المدن الايطالية..وشابات في كرة الطائرة ورياضات اخرى...ـ
الأضواء لا تُخطيء نجمة الغناء مليكة أيــان..غـنت وفـازت في مهرجان "سان ريمو" الشهير وألبوماتها تحقق مبيعات ممتازة..بالاظافة الى مجموعات متعددة "للــراب" خاصة ببولونيا وطورينو..ـ
أما الأسماء الأقل حضورا ـ إعلامـيا فقـط ـ فهي مجموعة من الباحثين كمولاي زيدان العمراني استاذ بجامعة بادوفـا لعلوم الاجتماع والفلسفة ,خـريج جامعة ميلانو تخصص لسانيات فـوج 1988 يُـدرس أول ماستير في الاسلام الأروبي..الى جانب زميله محمد خالد غزالي استاذ في نفس التخصص بجامعة بادوفـا وأيضا بجامعة لوغانـو بسويسرا..بالاظافة الى الدكتورالباحث في علوم البحارمصطفى الحيسوني..أما محمد السعـدي فيتمركز في موقع حساس في ثاني أكبر نقابة عُـمالية بايطاليا..وكـل من عبد المالك اسماعيل وعبد الكريم مصطاسي(بيلولنو) كرؤساء أقسام بالمستشفيات الايطالية ..أما فاطمة لغليبي (إمبيريا) وكوثر بـدران(باسانو دي غرابا) بالبدلة السوداء إقـتحـمْـن مهنة المحاماة وبدون أي مركب نقـص..ـ
بالاظافة الى كُـتاب وشعراء وإعلاميون وأطبـاء وأساتذة جامعيين و في الطبخ وصلت "رشيدة كراي" للجولة النهائية في برنامج "ماستـر شاف".. وتكفي إطلالة على جامعات طـورينو وبـولونيا وفـلورنس وموديـنا ومعاهـد ميلانـو للوقوف على حجم إهـتمام جـيل الشباب بالتحصيل العلمي وبدرجات مشرفة في كل التخصصات..و اللائحــة طويـلـة...ـ
حقـيقة تحمل رسائل واضحة للمسؤولين أن الجالية ليست " بـزطـام " وتحويلات عُملة صعبة فقـط,بـل هي قـيمة صعبة ورأسمال احتياطي مهـم, يُـوجب على المسؤولين الكثير من الاهتمام..والتذكير بالانتماء..ـ
الحاجة إلى تغـييـر العجلـة...ـ
وفي الجانب الاخر نـــرى في سُــعـاد المـعـلم (كـنــدا)...أيقـونة كبيرة في الهجرة ونجاحها في جلب استثمارات بملايين الدولارات, المغرب في حاجة اليها...وأيضا "عبد الرحيم خـوي بـابــا" بكنــدا والذي سيُـنظم في منتصف أبريل الجاري معرضا خاصا بالاستثمار سيُختـتم بزيارة وفد مهم من رجال أعمال كنديين للمغرب وتقديمه كبوابة لإفريقيا وسماءا مفتوحة للإستثمار..وفي إتصال هاتفي بخوي بابا من كـندا..أكــد على أن الجالية يجب أن تتوجه الى الجانب الاقتصادي بنفس وثيرة الجانب الاجتماعي والخروج من نمطية " الطواجن والكسكس.." ولعب دور مهـم في جلب الاستثمارات للمغرب حتى نستحق لـقـب سـفـراء بجـدارة...ـ
كفاءات وأطر عُـليا تزخر بها كل دول المهجر(افريقيا وأروبا والخليج..) تمـد يــدها لمساعدة المغرب فقط ينقص خارطة الاحتياجات وعلى المسؤولين تسطير برامج الانتمــاء خاصة للأجيال القادمة..ـ
علمنا الـتاريخ أن الهجرة أو البحث عن فضاءات او إمتدادات جديدة لم يكـن أبـدا رغـبة عـادية بل كان رد فعـل ضد وضع غيرمُـريح وغالبا ما يـتم بالتخطيط المتوازي للعـودة..لتُـصبح العـودة هي الحُلم وليس الهجرة... وما بين تحقيق أحلام الهجرة و تحقيق العودة الموعودة ,قـد تطول المدة وقـد تتحقق جزئيا وقـد لا تتحقق..ونقف أمام معادلة ساخرة بين مهاجر يحلم بالعودة..وآخـرون يحسدونه على الهجرة ويشجعونه على البقاء هُـنــــاك..ـ
وهـذا ما يـولـد لدى المهاجر تلك الرغبة الجامحة في الـتميُـز وتفجير طاقاته..وفي نفس الوقت يستحضر,أن في المغرب من يمسك القـلم الأحمر لـتقيــيم سنوات غُـربتــه...يـرفع رأسه الى الأعلى ثم يواصل المسير مُـرددا سنعــــود يــومــا الى حيـنــا..مهما يـمر الــزمان ..يـعـزعـلينا غـدا أن تعـود رفـوف الطيور... ونحن هُــنـا..ـ