حين أسس الهمة حزب الأصالة والمعاصرة،بما حمله من تدويب لمشروع حركة لكل الديمقراطيين، بحجة الضغط الزمني (انتخابات 2009، على حد تعبير بنعدي)، اعتبر المهتمون أن الدولة أو الشريحة المهيمنة بصدد بناء حزب الدولة القوي كدعامة أساسية للاحتكار الاقتصادي، وطرح سؤال عريض عن الحاجة لتأسيس هذا الحزب، في حين أن حزب الاستقلال هو حزب الدولة القوي؟.
ورغم الظهور القوي لحزب التراكتور ومنطقية خطابه المبني على تجاوز خطابات الأحزاب التي أصبحت تقليدية ومتجاوزة، ومهزوزة اجتماعيا (نسبة المشاركة في انتخابات 2007 )، مما يستوجب خطابا حداثيا يستوعب طاقات الشباب، ويعيد للسياسة حرارتها ومصداقيتها على أرضية الابتكار، والبرامج المنتجة وليس الايديولوجيا والخشبية، والدوائرالمغلقة للقيادات والعائلات المقتسمة للمواقع والغنائم، والمشرعنة للفساد والمحسوبية، ورغم المواجهة المباشرة والصريحة لحزب التراكتور ضد حزب العدالة والتنمية، فإن العمق الاستراتيجي لهذا المولود هو مواجهة هيمنة النسيج العائلي لملاك حزب الاستقلال على جزء كبير من الثروة، ومراكز القرار في مختلف أسلاك الدولة.
ومع "الربيع العربي" وسقوط نظام بنعلي الذي كان في خلفية الحاكمين نموذجا، وبروز حركة 20 فبراير، فرضت معادلات جديدة، أبرزها حكومة بنكيران وتأجيل سرعة انطلاق التراكتور.
ومنذ تلك الفترة والترتيبات جارية لمرحلة ما بعد وصول الزعيم الشعبوي بنكيران لرئاسة الحكومة، والبركان المنتظر انفجاره في جغرافية المصباح، وباقي الأحزاب الأخرى على أرضية زعامات شعبوية باسم القرب من السكان، مادام البديل الحداثي لازال الحاكمون غير مستعدون لأدائه.
في هذا الصدد، شكل انتخاب حميد شباط على رأس حزب الاستقلال حدثا سياسيا بامتياز وتناسلت حوله أسئلة متعددة ومختلفة.
إذا كانت شخصية حميد شباط مثيرة للجدل منذ أن طفت على سطح الحياة الحزبية والنقابية بصفة خاصة وعلى سطح الحياة السياسية بصفة عامة، فإن تربعه على رئاسة حزب الاستقلال ستزيد من هذا الجدل.
إن مسار صعود حميد شباط قد يشكل مثالا يحتدى به لكل من يراوده الطموح الجارف للوصول إلى قمة من قمم الحياة السياسية لبلادنا.
إن حميد شباط ليس ذي جذور فاسية عالمة وبورجوازية ولم ينل نصيبا من العلم (نقصد بالعلم المسار الدراسي الجامعي) ولا يتوفر على شرعية عائلية أو تاريخية (النسب والشجرة).
هذه المعايير التي بدونها لا يستطيع أي أحد أن يصل إلى دائرة الضوء في مجتمعنا أو ما يمكن أن نسميه تجاوزا بالنخبة السياسية.
فأي سلاح إذن وأية مطية امتطاها شباط ليصل إلى ما وصل إليه؟
إن الشعبوية التي ينعته بها الجميع لا تكفي في نظرنا، لأن الشعبوية إن كانت شرطا فإنها غير كافية في حد ذاتها، إن حميد شباط إضافة إلى ذلك يملك قوة وذكاء في اللعب على عدة حبال.
فحين ظهوره في مدينة فاس تقمص دور المحارب (الدون كيشوطي أحيانا) للإسلاميين حتى لا يضعوا أيديهم على مدينة فاس. وخدم بالتالي في هذه الفترة أجندة فؤاد عالي الهمة، قبل أن يظهر إلى الوجود التوجه أو الطموح السياسي لهذا الأخير، نتذكر في هذا الصدد حروبه الكلامية مع حزب العدالة والتنمية.، وعندما أخذ عالي الهمة في إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة إنبرى له حميد شباط برد فعل قوي تجاوز المستوى السياسي والتنظيمي إلى مستوى الشخص ناعتا إياه بكل أنواع القدح والتجريح.
وقبل ذلك، طعن بكل جرأة في أحد الرموز التاريخية الأكثر إشعاعا في تاريخ المغرب، ويتعلق الأمر بالمهدي بنبركة، محاولا النيل والانتقاص من رصيده النضالي، مما جره إلى القضاء على إثر شكاية تقدم بها ضده حزب الاتحاد الاشتراكي.
عندما نستحضر هذه المعطيات، نستطيع أن نرسم البروفيل الحقيقي لحميد شباط، وتحديدا مخطط من صنعوه.
إنه خادم المصالح المخزنية بطريقته الخاصة التي تعتمد على التهريج والمكر والدهاء ومما يذكرنا كثيرا بالزعيم الأبدي للحركة الشعبية محجوبي أحرضان.
لذا نتساءل هل المخزن بصدد خلق سياسة جديدة تفتقد للكاريزمة السياسية الخاصة لتمهد الطريق لرجوع حزب الأصالة والمعاصرة.
حيث فعلا، إن كانت مجموعة الثمانية: (G8) قد دخلت في سبات عميق وإذا كان أحد رموزها الأقوياء صلاح الدين مزوار يخفت ويخبو بسبب الفضائح التي طالته، فهاهو حزب الاستقلال بدوره يسقط من برجه العاجي إلى أرض الواقع والإعلان النهائي عن إنتهاء الدور التاريخي الذي من أجله أنشئ حزب الاستقلال.
حيث إنه رغم ما قيل عن حزب الاستقلال، فإنه لازالت تسكن بعض قادته التاريخيين بعض بقايا الوطنية والنخوة السياسية.
ومع مجيء حميد شباط لم يعد ممكنا الحديث عن هذه الصفات.
بقي في الأفق المؤتمر الوطني القادم للاتحاد الاشتراكي وما سيفرزه من زعامة جديدة. فهل يصبح مصيره كمصير حزب الاستقلال وهو صعود زعيم شعبوي إلى قمة هرمه؟
وهو الحزب أي حزب الاسقلال أم الأحزاب المغربية، الذي كان هو الدولة تقريبا كلها، بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى برصيده الرمزي والتاريخي فقط، ومنذ ذلك التاريخ وحزب الاستقلال يدير الدولة والثروة بشرعية حماية القصر من الثوريين والمارقين، الذين يريدون الإطاحة به، وفي كل لحظة يذكرون بأنهم هم من حقق الاستقلال وأرجع ملك البلاد، وفعلا سايرهم القصر ضمن منطق المعادلات، حتى تولي المرحوم الحسن الثاني العرش، وتدشينه لخريطة تحالفات جديدة بارتكازه على حزب الاستقلال ضد الساعين لملكية لا تحكم، عكس حزب الاستقلال الذي ينادي بملكية تحكم، وفي الحقيقة ينادون لملكية يحكمون هم من خلالها.
لم يكن خافيا صراع الحكم من أجل تقليص نفوذ حزب الاستقلال في الدولة والثروة، ورغم تحقيقه لعدة ضربات للوبي الحزب عن طريق الوزير البصري الذي استطاع إيصال العروبية والشلوح إلى بعض مراكز القرار، فإن ضربة شباط من داخل حزب الاستقلال كانت أقوى، حيث يمكن اعتبار المؤتمر والمجلس الوطني الذي توج فيه شباط أمينا عاما هي عملية إزالة حزب الاستقلال من أيدي مالكيه قهرا، و بكل الوسائل إلا الصراع البرنامجي والسياسي الذي كان غائبا.
كان هذا الفصل الأول من المسرحية الجيدة الأداء والإخراج الديمقراطي لنص مخزني بامي بامتياز.
وحتى حين الانتخابات المقبلة، ستبقى ورقة حزب الأصالة والمعاصرة هي المهيئة للفتح المبين. هذا الفتح الذي أخرته حركة 20 فبراير وسقوط بنعلي وكادت تؤدي بحياته.
لا يأسف المرء لذبول نبات فاسد، بل يخاف أن يحل محله نبات يعيد إنتاج احتكار الثروة والسلطة، وليس عيبا أن يقلص المرء من نفوذ من يمن عليه، بل العيب أن يطلب من الكل أن يكونوا مجرد خدم بتلاوين مختلفة.
ذ.محمد الحجام
مدير نشر جريدة ملفات تادلة
ورغم الظهور القوي لحزب التراكتور ومنطقية خطابه المبني على تجاوز خطابات الأحزاب التي أصبحت تقليدية ومتجاوزة، ومهزوزة اجتماعيا (نسبة المشاركة في انتخابات 2007 )، مما يستوجب خطابا حداثيا يستوعب طاقات الشباب، ويعيد للسياسة حرارتها ومصداقيتها على أرضية الابتكار، والبرامج المنتجة وليس الايديولوجيا والخشبية، والدوائرالمغلقة للقيادات والعائلات المقتسمة للمواقع والغنائم، والمشرعنة للفساد والمحسوبية، ورغم المواجهة المباشرة والصريحة لحزب التراكتور ضد حزب العدالة والتنمية، فإن العمق الاستراتيجي لهذا المولود هو مواجهة هيمنة النسيج العائلي لملاك حزب الاستقلال على جزء كبير من الثروة، ومراكز القرار في مختلف أسلاك الدولة.
ومع "الربيع العربي" وسقوط نظام بنعلي الذي كان في خلفية الحاكمين نموذجا، وبروز حركة 20 فبراير، فرضت معادلات جديدة، أبرزها حكومة بنكيران وتأجيل سرعة انطلاق التراكتور.
ومنذ تلك الفترة والترتيبات جارية لمرحلة ما بعد وصول الزعيم الشعبوي بنكيران لرئاسة الحكومة، والبركان المنتظر انفجاره في جغرافية المصباح، وباقي الأحزاب الأخرى على أرضية زعامات شعبوية باسم القرب من السكان، مادام البديل الحداثي لازال الحاكمون غير مستعدون لأدائه.
في هذا الصدد، شكل انتخاب حميد شباط على رأس حزب الاستقلال حدثا سياسيا بامتياز وتناسلت حوله أسئلة متعددة ومختلفة.
إذا كانت شخصية حميد شباط مثيرة للجدل منذ أن طفت على سطح الحياة الحزبية والنقابية بصفة خاصة وعلى سطح الحياة السياسية بصفة عامة، فإن تربعه على رئاسة حزب الاستقلال ستزيد من هذا الجدل.
إن مسار صعود حميد شباط قد يشكل مثالا يحتدى به لكل من يراوده الطموح الجارف للوصول إلى قمة من قمم الحياة السياسية لبلادنا.
إن حميد شباط ليس ذي جذور فاسية عالمة وبورجوازية ولم ينل نصيبا من العلم (نقصد بالعلم المسار الدراسي الجامعي) ولا يتوفر على شرعية عائلية أو تاريخية (النسب والشجرة).
هذه المعايير التي بدونها لا يستطيع أي أحد أن يصل إلى دائرة الضوء في مجتمعنا أو ما يمكن أن نسميه تجاوزا بالنخبة السياسية.
فأي سلاح إذن وأية مطية امتطاها شباط ليصل إلى ما وصل إليه؟
إن الشعبوية التي ينعته بها الجميع لا تكفي في نظرنا، لأن الشعبوية إن كانت شرطا فإنها غير كافية في حد ذاتها، إن حميد شباط إضافة إلى ذلك يملك قوة وذكاء في اللعب على عدة حبال.
فحين ظهوره في مدينة فاس تقمص دور المحارب (الدون كيشوطي أحيانا) للإسلاميين حتى لا يضعوا أيديهم على مدينة فاس. وخدم بالتالي في هذه الفترة أجندة فؤاد عالي الهمة، قبل أن يظهر إلى الوجود التوجه أو الطموح السياسي لهذا الأخير، نتذكر في هذا الصدد حروبه الكلامية مع حزب العدالة والتنمية.، وعندما أخذ عالي الهمة في إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة إنبرى له حميد شباط برد فعل قوي تجاوز المستوى السياسي والتنظيمي إلى مستوى الشخص ناعتا إياه بكل أنواع القدح والتجريح.
وقبل ذلك، طعن بكل جرأة في أحد الرموز التاريخية الأكثر إشعاعا في تاريخ المغرب، ويتعلق الأمر بالمهدي بنبركة، محاولا النيل والانتقاص من رصيده النضالي، مما جره إلى القضاء على إثر شكاية تقدم بها ضده حزب الاتحاد الاشتراكي.
عندما نستحضر هذه المعطيات، نستطيع أن نرسم البروفيل الحقيقي لحميد شباط، وتحديدا مخطط من صنعوه.
إنه خادم المصالح المخزنية بطريقته الخاصة التي تعتمد على التهريج والمكر والدهاء ومما يذكرنا كثيرا بالزعيم الأبدي للحركة الشعبية محجوبي أحرضان.
لذا نتساءل هل المخزن بصدد خلق سياسة جديدة تفتقد للكاريزمة السياسية الخاصة لتمهد الطريق لرجوع حزب الأصالة والمعاصرة.
حيث فعلا، إن كانت مجموعة الثمانية: (G8) قد دخلت في سبات عميق وإذا كان أحد رموزها الأقوياء صلاح الدين مزوار يخفت ويخبو بسبب الفضائح التي طالته، فهاهو حزب الاستقلال بدوره يسقط من برجه العاجي إلى أرض الواقع والإعلان النهائي عن إنتهاء الدور التاريخي الذي من أجله أنشئ حزب الاستقلال.
حيث إنه رغم ما قيل عن حزب الاستقلال، فإنه لازالت تسكن بعض قادته التاريخيين بعض بقايا الوطنية والنخوة السياسية.
ومع مجيء حميد شباط لم يعد ممكنا الحديث عن هذه الصفات.
بقي في الأفق المؤتمر الوطني القادم للاتحاد الاشتراكي وما سيفرزه من زعامة جديدة. فهل يصبح مصيره كمصير حزب الاستقلال وهو صعود زعيم شعبوي إلى قمة هرمه؟
وهو الحزب أي حزب الاسقلال أم الأحزاب المغربية، الذي كان هو الدولة تقريبا كلها، بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى برصيده الرمزي والتاريخي فقط، ومنذ ذلك التاريخ وحزب الاستقلال يدير الدولة والثروة بشرعية حماية القصر من الثوريين والمارقين، الذين يريدون الإطاحة به، وفي كل لحظة يذكرون بأنهم هم من حقق الاستقلال وأرجع ملك البلاد، وفعلا سايرهم القصر ضمن منطق المعادلات، حتى تولي المرحوم الحسن الثاني العرش، وتدشينه لخريطة تحالفات جديدة بارتكازه على حزب الاستقلال ضد الساعين لملكية لا تحكم، عكس حزب الاستقلال الذي ينادي بملكية تحكم، وفي الحقيقة ينادون لملكية يحكمون هم من خلالها.
لم يكن خافيا صراع الحكم من أجل تقليص نفوذ حزب الاستقلال في الدولة والثروة، ورغم تحقيقه لعدة ضربات للوبي الحزب عن طريق الوزير البصري الذي استطاع إيصال العروبية والشلوح إلى بعض مراكز القرار، فإن ضربة شباط من داخل حزب الاستقلال كانت أقوى، حيث يمكن اعتبار المؤتمر والمجلس الوطني الذي توج فيه شباط أمينا عاما هي عملية إزالة حزب الاستقلال من أيدي مالكيه قهرا، و بكل الوسائل إلا الصراع البرنامجي والسياسي الذي كان غائبا.
كان هذا الفصل الأول من المسرحية الجيدة الأداء والإخراج الديمقراطي لنص مخزني بامي بامتياز.
وحتى حين الانتخابات المقبلة، ستبقى ورقة حزب الأصالة والمعاصرة هي المهيئة للفتح المبين. هذا الفتح الذي أخرته حركة 20 فبراير وسقوط بنعلي وكادت تؤدي بحياته.
لا يأسف المرء لذبول نبات فاسد، بل يخاف أن يحل محله نبات يعيد إنتاج احتكار الثروة والسلطة، وليس عيبا أن يقلص المرء من نفوذ من يمن عليه، بل العيب أن يطلب من الكل أن يكونوا مجرد خدم بتلاوين مختلفة.
ذ.محمد الحجام
مدير نشر جريدة ملفات تادلة