ذة. نجاة البداوي
تميز المنزل في السابق بسيادة جو من الهدوء والراحة والطمأنينة والألفة بين أبناء يعيشون تحت سقف واحد متحابين وللوالدين منزلتهما، ولكلٍ مكانته وكلمته، في انضباط لرب الأسرة
اليوم ومع موجة تحديث المجتمع وعياً وسلوكاً، أصبح بعض أرباب الأسر عاجزين عن ضبط حضور وانصراف أبنائهم، فضلاً عن وجبة يتناولونها بسرعة، ويخرجون مع أصدقائهم، انه التناطح الفكري الذي طغى على ألباب ناشئتنا وغير كثيراً من مفاهيم أطفالنا، حتى فقد الوالدان كثيراً من السيطرة على المنزل؛ وأصبح الابناء لا يهتمون برضا الوالدين بقدر ما اصبح كل همهم متابعة الجديد وآخر صيحات العصر، وتغيرت كثير من العادات والتقاليد، بل أصبحت تتبدل من جيل لآخر، وتقلصت هيبة الوالدين وقل احترامهما، الشيء الذي نتج عنه اتساع الهوة بين الآباء والأبناء، كما تسببت الفجوة العمرية والفكرية بين الآباء وأطفالهم ـ بسبب تأخر سن الزواج وبالتالي الانجاب ـ بدورها في قلة الحوار إن لم يكن انعدامه بينهم، فالأبناء يحتاجون إلى حوار قريب من عقلهم وفكرهم، وتقدير من الآباء لما استجد عليهم في الحياة من تكنولوجيا أصبحت جزءًا من حياتهم
ولعل الإفراط في الدلال منذ الصغر، مما خلق منهم أبناء فاقدي الإحساس بمشاعر أهاليهم، إلى جانب الخلافات بين الزوجين التي تجعل الأبناء يبحثون عن مخرج لهم من واقعهم المرير، تلك أسباب الى جانب اخرى قد نفصل فيها في مقالات مستقبلا، بعضها او مجتمعة تسهم في عصيان الأبناء وعدم التزامهم بتوجيهات أولياء أمورهم، وهو ما جعل بعض التربويين يدعون الوالدين إلى نهج اكثر فاعلية لتعديل سلوكيات أبنائهم، ومن أهم مبادئه عدم الافراط في منح الصغار كل ما يريدون ويرغبون به، وعدم إعطاء النفس هواها، لا سيما في حالة عدم التزامهم بما يطلب منهم، ناصحين الاباء والامهات حديثي العهد بتربية الابناء بإشراك أحد الأقارب ممن يميل إليهم الطفل في العملية؛ لكي يوجهوهم بشكل سليم، إضافة إلى الإفادة من طاقاتهم، مبدأ آخر لا يقل اهمية عن سابقيه وهو إشعار الاطفال بأهميتهم من خلال منحهم الثقة المتزنة التي تعود على الأسرة بالنفع، والاهتمام بزرع قيم عظيمة في نفوسهم، حتى لا يقعوا عرضة لاقتباس قِيمهم من غيرهم دون تقنين
واذا كنا نبهنا الى ما اورده علماء التربية بخصوص الافراط في الدلال، فهذا ليس دعوة الى الجفاء، وانما الى التوزان، إذ المشكلة تتمثل في الأصل في الحرمان العاطفي، فالابن يحتاج إلى عاطفة وحنان من والديه سوياً وليس الاكتفاء بحنان أحدهما كالام مثلا فقط، خصوصا وان كثيرا من الآباء يعتقد خطأً أن كمال بره لأبنائه أن يُغدق عليهم غزير ماله فقط، لكن أقول للأب الصرّاف -مجازاً- هل فكرت يوماً ماهي القيم التي زرعتها في نفوس أبنائك؟، وهل تعرف أين يصرفون هذه الأموال؟، وهل لديهم مشكلات يحتاجون إلى من يساعدهم في حلها؟، وما اثر بُعدك الطويل عنهم؟، ألم تفكر يوماً أن البيت حين يُترك بدون رقابة أب قد يتحول إلى مسرحٍ للأبناء مع قرناء السوء"، لدى تبقى إعادة ضبط (كنترول) التوازن بين الاحتياجات المادية والعاطفية للأبناء؛ امرا مطلوبا حتى لا يطغى جانب على آخر ويؤدي إلى نتائج عكسية، سببها ضعف الرقابة الأسرية وغياب المتابعة وانعدام النقد والتوجيه والإرشاد تجاه سلوكيات خاطئة، بل وبعضهم لا يعطي نفسه دوراً في تصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم، ناهيك عن بعض الأمهات اللائي يتركن أطفالهن في أحضان الخادمات، وبالتالي تولد رغبة بالبحث خارج نطاق الأسرة عمن يلبي احتياجاتهم التي لم تجد لها صوتاً مُجيباً داخل الاسرة
إن إعادة هيكلة العلاقات الداخلية بين الآباء والأبناء، قضية ملحة، وهي السبيل للرقي بمجتمعاتنا، علمانيين كنا ام متدينين، فإذا تربى الابن منذ صغره على الأخلاق والمبادئ النبيلة، فسيكون مفيدا بناء في كبره؛ لأن أساسه قوي، وهنا يأتي دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية الموازية للأسرة وفي مقدمتها المدرسة