السلام عليكم
يسرني أن أبعث لكم هذا المقال للنشر
مع تحياتي الخالصة
غرائب وعجائب القرض الفلاحي للمغرب
رسالة إلى جريدة "الأحداث المغربية
الجزء الثاني
بقلم: عبدالحق الــريـــكي
بعد مقالي السابق حول الاحتقان الاجتماعي بالقرض الفلاحي للمغرب، تَفَضَّل بعض الصحفيين بالاتصال بي لطلب توضيحات وبيانات حول المعطيات المقدمة من طرفي وكان إلحاح البعض منهم إِنْ كُنْتُ أتوفر على ملفات ووثائق حول الفساد داخل مؤسسة القرض الفلاحي للمغرب.
كان موقفي واضحا، كون غرضي الأساسي هو محاولة فهم ما يجري، اليوم، داخل مؤسسة القرض الفلاحي وتحليله ارتباطا بما يقع على رقعة الصراع الاجتماعي والسياسي الوطني لأنه لا يمكن عزل الفاعلين الأساسيين داخل القرض الفلاحي عن محيطهم وارتباطاتهم مع الدولة، الحكومة، الأحزاب (ضمن الأغلبية الحكومية وخاصة في المعارضة) ومختلف المؤسسات الفاعلة في الحقل الاجتماعي والسياسي. وأنه لكل حادث، حديث.
كما أخبرت محاوري أن ما يقع داخل القرض الفلاحي مرتبط أشد الارتباط بتنزيل وتفعيل أو تعطيل الدستور الجديد، كما هو مرتبط أيضا بقانون "ما للملك وما لابن كيران" ودور وزراء الحكومة المعنيين بالملف ودور المعارضة ، خاصة الصراع داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعن موقع الفئات المتوسطة ضمن الخريطة النقابية وبطبيعة الحال السياسية.
كما أَلْحَحْتُ على أصدقائي الصحافيين أنه لا يمكن إغفال علاقة ما يقع بالقرض الفلاحي بمكون أساسي ومحوري في الصراع من أجل مجتمع ديمقراطي وحر، ألا وهو الصحافة الوطنية ودورها في بناء إعلام مهني، فاعل، مستقل ونزيه يدافع عن القضايا الكبرى للأمة وتدخل أموال الإشهار ونفوذ الشركات الكبرى في الحد من هذا الطموح، لأن المسألة معروفة، بدون إشهار أغلب الصحف والمجلات مصيرها إلى الزوال.
وختمت موقفي لمحاوري أن ما يقع بالقرض الفلاحي هو مُخْتَبَر لما هو آت إن لم تنتبه القوى الديمقراطية لحقيقة الصراع داخل البنك وللأطراف الفاعلة والمتدخلة لقمع شغيلة البنك وإبعادها عن كل مشاركة مُوَاطنة في قضاياها الأساسية. المستهدف الأساسي هو الفعل النقابي لكن يتعداه إلى أبعد من ذلك. المستهدف هم الفئات المتوسطة وتموقعها في خريطة الصراع الاجتماعي والسياسي. هذا ما سنوضحه في حينه.
اليوم هناك بداية نكسة حقيقية بالقرض الفلاحي. لأن القمع واقع حي داخل البنك والنقابة الوحيدة الموجودة في البنك ممنوعة بالقوة من ممارسة حقها الدستوري المشروع، والترهيب هو اللغة السائدة تجاه مجموعة من المواطنين المغاربة ذنبهم الوحيد هو كونهم أُجَرَاء بالقرض الفلاحي واعتقادهم أن المغرب تغير وأن القانون يحمي المواطن ويسمح له بالانخراط في النقابات والمشاركة في الإضرابات والوقفات الاحتجاجية!!
هل ليست هذه القضايا أخطر من ألف ملف فساد؟
سأتناول بالتدقيق كل هذه القضايا، لكن قبل ذلك لا بد من الإشارة إلى خبر عاجل وهو المتعلق بتواجد "حارس شخصي" ذات عضلات مفتولة أمام مكتب مديرة الموارد البشرية بالقرض الفلاحي ويقال أيضا أنه يرافقها في كل تحركاتها الخارجية وينتظرها أمام المطاعم حتى تنتهي من وَجْبتها الغذائية. إنها المهزلة بعينها من جهة ومحاولة "شيطنة" الصراع الاجتماعي من جهة خرى. إن هذه الظاهرة الفريدة بالقرض الفلاحي (لأنه لا علم لي بها في قطاعات أخرى عاشت توترات اجتماعية) توضح بالملموس غرائب وعجائب ما يقع داخل هذه البنك الفلاحي.
إن ما تفعله هذه المديرة (لا أعرف هل بعلم ورضى رئيس البنك) مُطَابِق تماما للمثل الشعبي "ضربني وبكى وسبقني واشتكى". كفى من الضحك على ذقون الناس، خاصة أن المديرة المعنية معروفة كيف تمكنت من صعود صاروخي بالقرض الفلاحي خلال مدة قصيرة (من السلم العاشر إلى أقصى وأعلى المراتب، في ظرف عشر سنوات، ويقال أنها عند انخراطها بالبنك لم تكن تتوفر على دبلوم الإجازة) وفشلها في تدبير أهم مرفق بنكي ألا وهو المتعلق بالموارد البشرية وبلاغات النقابة أشارت بالدليل القاطع والحجج الثابتة لهذا الأمر.
الحقيقة أن الحماية مطلوبة بالقرض الفلاحي، وبإلحاح. ولكن حماية من؟ أولا حماية المؤسسة البنكية من المتاهات التي هي غارقة فيها والتي لا يعرف أحد كيف ستنتهي. ثانيا حماية الشغيلة من القمع والإرهاب والتنقيلات التعسفية التي طالتها لسبب بسيط هو انخراطها في النقابة ومشاركتها في الإضراب. ثالثا حماية القانون واحترامه داخل المؤسسة من دستور جديد وقانون الشغل والقوانين الداخلية.
أما "المسلسل المكسيكي" التي تحاول مديرة الموارد البشرية تمثيله بالقرض الفلاحي فهو بئيس وضعيف الإخراج والأداء. إن المطلوب من الجهات المعنية (رئيس البنك والسلطات الأمنية) التدخل لإرجاع الأمور إلى نصابها والابتعاد عن كل ما من شأنه تشويه وجه القرض الفلاحي ووجه المغرب وحتى لا نسمع أن إحدى القنوات الفرنسية قامت بتغطية صحفية لظاهرة مديرة الموارد البشرية التي لا تتحرك إلا مرفوقة ب"bodyguard" وأين؟ في قلب عاصمة المملكة: الرباط!!؟؟ سنقول حينئذ وداعا لعشرة ملايين سائح في المغرب مادامت مديرة صغيرة (صغيرة بمعنى أنها ليست بوزيرة الداخلية ولا رئيسة بنك استراتيجي ولا رئيسة الباطرونا ولا صاحبة شركات استراتيجية، بل أمثالها يعدون بالقرض الفلاحي وبالمغرب بالمئات والمئات) تتجول بحارس في قلب عاصمة المملكة المغربية.
أتمنى أن لا يختفي هذا القاسمي "الحارس الشخصي" مباشرة بعد صدور هذا المقال في الصحافة الوطنية والإلكترونية كما عودنا أصحاب هذه "الخزعبلات" مرارا وتكرارا. كما أطالب من هذا المنبر فتح تحقيق حول هذه القضية الغريبة والعجيبة ولكن أساسا المزعجة من طرف الحكومة والأجهزة الأمنية ورئيس البنك.
ألم اقل لكم أن أمورا غريبة تقع بالقرض الفلاحي للمغرب يجب الانتباه إليها، هي أهم من ألف ملف فساد؟
لنعود إلى موضوعنا...
لقد مر شهر واحد على الإضراب الذي دعت له الجامعة الوطنية لمجموعة القرض الفلاحي للمغرب المنضوية في إطار الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، لكن القمع والترهيب والتعسف من جهة والإغراء ومحاولات شراء الذمم في حق الشغيلة والمناضلين النقابيين والمضربين ما زالا قائمين إلى يومنا هذا.
لقد وقع الإضراب يوم الجمعة 18 يناير 2013 واتُخِذَت عقوبات جماعية وليست فردية في حق المضربين ابتداء من يوم الإثنين 21 يناير 2013 إذ تم تنقيل أكثر من 20 مستخدم وإطار بطريقة بشعة من مكان عملهم إلى أماكن أخرى ومن مدن إلى مدن أخرى.
لقد شمل هذا القرار التعسفي النساء دون مراعاة لظروفهم العائلية ولا لوضعية أطفالهم. كما شمل القرار تنقيل تعسفي في حق مندوب الأجراء ضربا عرض الحائط قانون الشغل. كما لم يتم مراعاة الكفاءة والأقدمية في التنقيلات التعسفية.
وما زالت آلة القمع تشتغل ليل نهار أمام صمت كل الجهات النافذة والمسؤولة على القطاع.
إن المتتبع النبيه لطريقة قمع النقابة في القرض الفلاحي لابد أن تثيره الخطة المستعملة وهي تُدْرَس في المعاهد الاستراتجية العسكرية، بحيث تم في ثلاثة أيام شن غارة لاجتثاث كل المسؤولين النقابيين بالرباط ومختلف الجهات وذلك عبر نقلهم تعسفا إلى أماكن أخرى وعزلهم عن محيطهم الطبيعي كما تم قطع كل وسائل الاتصال ما بين قيادة النقابة والمسؤولين الجهويين والشغيلة وإطلاق حرب دعائية قوية وسط الشغيلة كون ما يقع من قمع مسنود من جهات عليا.
فمن يا ترى وضع هذه الخطة؟ ومن هي الجهة التي تم استشارتها والأخذ برأيها؟ هذا ما سَتُجِيبُ عنه الأيام المقبلة.
ألم أقول لكم أن ما يقع داخل القرض الفلاحي جدير بالتحليل والمتابعة؟
الخلاصة هو كون النقابة أصبحت ممنوعة داخل القرض الفلاحي للمغرب كما لو أن هذه المؤسسة موجودة في كوريا الشمالية وليس في المغرب، كما أن الحصار المضروب على قيادة النقابة رهيب بحيث تم سلبها كل أدوات وإمكانيات التحرك والاتصال والعمل. لقد صرح أحد النقابيين أنه يحس كما لو أنه في سجن "كوانتنامو" وليس بالقرض الفلاحي للمغرب.
لقد خاضت نقابة معينة وقفة احتجاجية بصندوق الإيداع والتدبير ولم نسمع أنه تم قمع النقابيين أو تنقيلهم، كما قامت نقابتان بإضراب في قطاع التعليم ولم نسمع أيضا أن وزارة التعليم تدخلت لتكسير الإضراب أو الزج بالنقابيين وترهيبهم. فلماذا بالضبط القرض الفلاحي للمغرب؟ سؤال وجيه سنحاول الإجابة عنه من خلال هذه السلسة من المقالات.
إن كل هذا وَقَعَ ومازال يَقَعُ في صمت غير مفهوم للصحافة الوطنية المكتوبة التي تعج بأخبار عن مشاكل وتوترات اجتماعية ومطالب وإضرابات ووقفات احتجاجية بالعديد من المقاولات والإدارات والشركات وبمختلف الجهات، إِلاَّ القرض الفلاحي. ولولا المواقع الإلكترونية لكان الصمت عاما وشاملا.
لقد شكل هذا الموضوع، صمت أهم المنابر الصحفية المكتوبة، مجال خصب لنقاشات لا تنتهي داخل القرض الفلاحي وما بين النقابيين وكل الفاعلين الذين يتتبعون عن كتب ما يقع بالقرض الفلاحي إلى حد أن جل الجرائد الوطنية قاطعت الندوة الصحفية التي عقدتها النقابة الداعية للإضراب لتنوير الرأي العام حول ما يقع داخل القرض الفلاحي للمغرب وتقديم معطيات وافية حول الخروقات النقابية والقانونية داخل البنك.
إن صمت المنابر الإعلامية المكتوبة (الحديث هنا يخص أساسا الصحافة المستقلة أما الصحافة الحزبية فهي تدافع عن النقابات القريبة منها) كان من نتائجه تشجيع إدارة البنك على الاستمرار في عقابها الجماعي ضد النقابة الوحيدة الموجودة بالقرض الفلاحي وتعنتها في مواقفها وتجاهلها للقانون.
لقد صدر مقال شجاع حول هذا الموضوع للصحفي خالد السطي بعنوان "شغيلة القرض الفلاحي بين مطرقة الإدارة وسندان الإعلام الوطني" يقول فيه أنه "رغم إرسال بيان الجامعة الداعي إلى الإضراب والوقفة الاحتجاجية سواء عبر الفاكس أو البريد الإلكتروني لعدد من المواقع والجرائد اليومية والأسبوعية ووكالة المغرب العربي للأنباء والقناتين الأولى والثانية إلا أن الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام بلعت لسانها..." وموضحا أيضا أنه "ومن خلال المتابعة والاتصال بعدد من الزملاء الصحفيين ومديري بعض المواقع الالكترونية المعروفة عن السبب في عدم نشر بيان وخبر الإضراب والوقفة الاحتجاجية تهرب الجميع لكن أغلبيتهم أسروا "لي" أن الأمر يتعلق بالإشهار الذي منحهم إياه بنك القرض الفلاحي"، ويزيد الصحفي في مقاله الفريد أن "مصور صحفي بيومية مشهورة قال بالحرف"الماتش مبيوع أخاي" ردا على سؤال حول عدم نشر صورة للوقفة التي جاء من أجلها، مبرزا أن الشركة التي تصدر الجرائد قد تحصل على ما مجموعه 100000 درهم مقابل صفحة واحدة من البنك عن كل يوم إشهار"... حتى لا أطيل على القارئ الكريم أحيله على المقال المذكور والموجود في موقع البحث غوغل.
ألا يعتبر ما تم سرده صك اتهام خطير في حق إدارة البنك التي تستعمل المال العام لأغراض بعيدة كل البعد عن الأهداف التجارية والتسويقية المحضة. وأيضا إثارة الانتباه للعلاقة المعقدة والشائكة ما بين الصحافة والإشهار.
وبطبيعة الحال، الإشهار الممنوح من طرف القرض الفلاحي، ما زال يؤثث صفحات كل الجرائد.
ما هو مؤكد ويعرفه المتتبعون للصحافة الوطنية هو الحضور القوي لمواد إشهارية للقرض الفلاحي في كل الجرائد الوطنية والمجلات وبعض المواقع الإلكترونية. والمعروف عالميا أنه في وقت الشدة والأزمة (كما هو الحال مع أزمة السيولة البنكية بالنسبة للقطاع البنكي بالمغرب) فإن الإشهار ينعدم لأنه لا فائدة منه ما دام إقبال الزبناء على المنتوج البنكي يكون ضئيلا.
هذه أبجديات معروفة في ميدان الماركوتينغ والإشهار... لذا نجد كبريات الصحف في أوربا تشتكي من تقلص كبير للإعلانات نظرا لأزمة الأورو وكذلك تشتكي الصحف في المغرب...حيث تحدثت تقارير عن تراجع سوق الإشهار ب18 في المائة شهر نونبر 2013 بعد تراجع 12 في المائة بداية سنة 2012 كما تحدثت "جون أفريك"، المجلة المعروفة التي تصدر من باريس على أن سوق الإشهار بالمغرب "يعيش على إيقاع انخفاض حاد في الحجم والقيمة" وأنه من ضمن الأسباب التي عجلت بإغلاق مجلة "أكتييل" المقربة من أوساط اقتصادية كبرى هو تقلص سوق الإشهار.
فكيف تعاملت بعض الصحف الوطنية مع الإضراب الوطني والوقفة الاحتجاجية لشغيلة القرض الفلاحي ليوم الجمعة 18 يناير 2013 وكيف تتعامل مع مستجدات وتبعات هذا الإضراب الذي كانت من نتائجه ولأول مرة في المغرب إقرار "عقاب جماعي" (يحظره القانون الدولي) في حق أغلبية المضربين.
هنا، ستكون لنا الفرصة لتركيز حديثنا على جريدة "الأحداث المغربية" وسنبين الأسباب.
قلت في مقالي السابق، أن الاحتقان الاجتماعي في القرض الفلاحي وليد يونيو 2011 حيث انقلبت إدارة البنك ضد الشرعية الانتخابية التي أفرزتها انتخابات مندوب الأجراء لسنة 2009. كما استمرت إدارة البنك في رفضها لأي حوار مع النقابة الوحيدة التي أُسِسَت في أبريل 2012. بمعنى أن ادارة البنك انفردت بالقرارات الاجتماعية منذ يونيو 2011 إلى يومنا هذا رغم إلحاح مندوب الأجراء على احترام الشرعية الانتخابية وطلب النقابة فتح باب الحوار.
أمام هذا الوضع وتأجج الاحتقان الاجتماعي بادر مندوب الأجراء المناضلين منذ يونيو 2011 ونقابة الجامعة الوطنية لمجموعة القرض الفلاحي المنضوية في إطار الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في إصدار بلاغات للشغيلة كان يتم من حين إلى آخر توجيهها أيضا للصحافة الوطنية قصد إخبار الرأي العام الوطني وكل المعنيين بالأمر حول ما يقع بالقرض الفلاحي.
كان التعامل مع هذه البلاغات إيجابي شيء ما في بداياته من طرف بعض الصحف الورقية وكبيرا من طرف المواقع الإلكترونية... إلا أنه لوحظ مع مرور الوقت تغير كبير في التعامل مع كل ما يتعلق بالملف الاجتماعي لشغيلة القرض الفلاحي مع بداية حملة واسعة للإشهار غطت جل الصحف والمجلات وبعض المواقع الإلكترونية.
هكذا لم تتحدث المنابر الإعلامية المكتوبة عن أي شيء اسمه إضراب بالقرض الفلاحي وهو حدث كبير بالنسبة لمؤسسة تمويلية معروفة وحساسة. كان الأمر غريبا كما لو أن يدا سحرية تتحكم داخل اجتماعات هيئات التحرير في حجز كل خبر يتعلق بالاحتقان الاجتماعي بالقرض الفلاحي ورميه في سلة المهملات!!؟؟
هكذا نجد مثلا أن جريدة "الأحداث المغربية" لم تتحدث بتاتا عن أن هناك احتقان اجتماعي بالقرض الفلاحي ولا عن قرار الإضراب ولا عن الاستعدادات للإضراب ولا عن توقيت الإضراب (الجمعة 18 يناير 2013) ولا عن الجهة الداعية للإضراب ولا عن دواعي الإضراب ولا عن موقف إدارة البنك من الإضراب ولا عن تدخل الإدارة لتكسير الإضراب... وإذا بها، أي جريدة "الأحداث المغربية"، تخبر قرائها يوم 22 يناير 2013، عن فشل إضراب شغيلة القرض الفلاحي!!
يمكن لقائل أن يقول وما العيب في ذلك إن قررت فجأة أن تتحدث عن موضوع أهملته سابقا... أعتقد أنه لا يجب أن نتسرع في الأحكام حتى نلم بكل جوانب الموضوع...
هنا نأتي للحديث عن طريقة تقديم جريدة "الأخبار المغربية" لخبر فشل الإضراب. أولا يجب الانتباه إلى العنوان بالبنط العريض والقطعي "0,1 في المائة من شغيلة القرض الفلاحي استجابت لقرار الإضراب". هذا حكم نهائي وإعدام مسبق في حق شغيلة بنك ونقابة وطنية تنتمي لمركزية نقابية ذات تمثيلية مشهود بها.
... لنبدأ بالرقم المعلن وهو 0,1 في المائة. هل يعلم كاتب مقال "الأحداث المغربية" أن هذا الرقم مقارنة مع شغيلة القرض الفلاحي التي تقدر ب3.400 مستخدم وإطار تعني أن عدد المشاركين في الإضراب لم يتعدى 3,4 أجير!!
هل هذا يستسيغه العقل؟ وهل هناك نقابة تقرر إضرابا وتعبئ كل طاقاتها وإمكانيتها لكي تحصد هذا المعدل؟ وهل هذا الرقم بريء أم أنه يحيلنا على نقيضه وهو 99,9 في المائة وهو رقم محفور في ذاكرة شعوب العالم الثالث من حيث الاستفتاءات والانتخابات ذات الطعم الاستبدادي الديكتاتوري؟
سيقول قائل، هذا الرقم لم يقدمه الصحفي بل قدمه له من تحدث في نفس المقال عن "فشل الإضراب" وعن استجابة "منعدمة" لقرار الإضراب وأنه لم يكن ممكنا نجاح الإضراب لكون "ملف الحوار الاجتماعي بين الإدارة وممثلي المستخدمين غير مغلق..." وأن "60 في المائة ... من المطالب الاجتماعية المعبر عنها من قبل ممثلي المستخدمين تجد طريقها نحو الحل" (انتبهوا هنا رمزية الأرقام ما بين 0,1 و60 في المائة!!؟؟).
من يكون يا ترى من قدم هذه المعطيات لصحفي جريدة "الأخبار المغربية"؟ هل هو السيد طارق السيجلماسي رئيس البنك؟ هل هو أحد أعضاء مجلس الإدارة الجماعية بالبنك من كاتب عام ومدراء عامين؟ هل هي مديرة الموارد البشرية للبنك؟ هل هو الناطق الرسمي للبنك؟ الخطير في الأمر هو أنه من قدم رقم 0,1 في المائة وأن مطالب شغيلة القرض الفلاحي في طريقها للحل، لا هذا ولا ذاك.
فمن يكون هذا الدخيل على هذا الملف الخطير والمعقد والحساس. ولأية جهة يشتغل ولأية أهداف؟
هذا ما سنتناوله في مقالنا القريب المقبل ونتوسع في علاقة الاحتقان الاجتماعي بالقرض الفلاحي بتنزيل وتفعيل أو تعطيل الدستور الجديد، وبقانون "ما للملك وما لابن كيران" ودور وزراء الحكومة المعنيين بالملف وعن دور المعارضة خاصة الصراع القوي والهام والحاسم داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعن موقع الفئات المتوسطة ضمن الخريطة النقابية وبطبيعة الحال السياسية.
إطار بنكي
الرباط، 18 فبراير 2013