أكثر المشاهد و الصور التي تمر أمام عينيك وتكشف لك عن الأنانية المطلقة هو مشهد تعيشه في إحدى الصباحات حين يتعلق الأمر بعدم اعطاء حق الاسبقية لسيارة إسعاف تنقل حالة مسـتعجلة في إحدى المدارات بالبيضاء ! حينها تجاهل بعض السائقين الأمر و لم يعيروه أي اهتمام وكأن المسألة تتعلق بنقل وجبة فاست فود من طرف مستخدم إحدى المطاعم يطلبها زبون متصل
قد تختلف إنشغالات أولئك السائقين و تختلف معها وجهاتهم و ماركات سياراتهم و مراكزهم الاجتماعية و مستواهم الفكري.. لكن توحدوا في شيء واحد هو أنانية تسكنهم ! صحيح أنه لا يكمن بناء تصور و قاعدة على إستثناء.. لكن الواقعة تجرنا للحديث عن سلوكات أخرى مرتبطة بالمعيش اليومي، للأسف بطلها نموذج مواطن يعيش بيننا بضمير تقديره "أنا و من بعدي الطوفان" ويرى أن محيطه و بيئته والسياسات التي نهجتها الدولة عبر أجهزتها الأخطبوطية هي من ساهمت في صنع سلوكه الذي يستثمره فيما بعد في تعاملاته اليومية و إدخاله بذلك في خانة المواطن المُدجن لا إراديا.. يتقبل كل شيء ويمارس كل شيء
صحيح أن لمؤسسات الدولة مسؤولية ودور في ذلك وكذلك استقالتها من أدوارها الحقيقة الموكلة لها، لكن تبقى هناك سلوكيات الاجتماعية تُرتكب لا يبررها لا تدجين و لاهم يحزنون من قبيل رمي قارورة مياه فارغة أو منديل ورقي مستعمل من زجاج السيارة و غيرها من الصور التي تعكس أكثر اختلالات ما في التربية و اعوجاج في السلوك
يوجد في المجتمعات التي تحترم نفسها وعبر العالم نموذج "مواطن صالح" الذي يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات.. مواطن لا يُحنط و يُوضع على شكل ديكور في متحف للآثار لكي يزوره الجمهور آخذين معه صورا تذكارية ! بل مواطنا ليجعلوه قدوة لهم في حياتهم اليومية، نموذج مواطن فاعل في مجتمعه يتفاعل مع كل مكوناته، ينطلق من ذاته في كل خطوات الإصلاح والتغيير و يبدأ بنفسه ومحيطه الصغير إلى أن يصل إلى الكبير المتمثل في حيه ومدينته ووطنه، مواطن يُعتبر ركيزة كل تطور و رقي
نحتاج في الحقيقة الأمر إلى مدونة قيم، كأولوية أكثر من مدونة أسرة و سير وشغل.. و تعديل للعقليات قبل تعديل الدستور وأيضا القيام بالمئات من الوصلات التحسيسية و العشرات من الأسابيع الوطنية، لتقريبنا أكثر من نموذج "المواطن" المواطن و ليس ذاك الذي يحمل فقط بطاقة تعريف وطنية.. مسؤول له القدرة على التمييز بين الصالح والطالح، يخضع لقوانين وضعية و دينية و يتشبع بمبادئ و قيم و قناعات تجعل منه إنسانا ؛ قوانين تُنظم حياته الفردية داخل المجتمع، ليتمتع حينها بحقوق مقابل واجبات