ذ.محمد الحجام
مدير نشر جريدة ملفات تادلة
مع بداية السنة الجديدة 2013 لوحظ رجوع المضامين الاجتماعية والسياسية لخطاب القوى السياسية والفعاليات المدنية، (بشكل متفاوت في الحجم والمنطلق طبعا) بل هناك مكونات دشنت فعليا محطات للمراجعة والاستعداد الفعلي لأدائها النضالي، الذي سيشكل شهر فبراير هذا بداية ديناميته.
وفي هذا الصدد دعت تنسيقية الرباط ل 20 فبراير في خلاصة جمعها العام ليوم 23 يناير 2013 وبعد نقاش طويل وتبادل الافكار والاراء والمقترحات إلى: الدعوة الى الخروج في احتجاجات جماهيرية ابتداء من صباح يوم الاحد 17 فبراير، في مسيرات جهوية ومحلية في جميع القرى والمدن في افق التخليد المتميز لاستمرارية اقوى للحركة يوم الاربعاء20 فبراير وفي حالت لم يستجب النظام لمطالب الحركة تبقى الاشكال النظالية مفتوحة على جميع الاشكال و الاحتمالات.
وبالموازاة وجه تيار اليسار المواطن الحزب الاشتراكي الموحد في جامعة اليسار المواطن، المنعقدة بالمحمدية في 13 يناير 2013، نداءا سمي بنداء اليسار المواطن، يسار آخر ممكن، ومما جاء فيه:
(...) وننادي كافة اليساريات واليساريين إلى الالتزام، مهما اختلفت أجوبتنا وتنوعت مقارباتنا وتعددت رؤانا، في دينامية جديدة ومجددة لإعادة تأسيس مشروعنا الديمقراطي بعمقه الاجتماعي و أفقه الاشتراكي، وبمعناه المتمركز حول الإنسان والعلم والمعرفة، بانحياز واضح في الدفاع عن مصالح المتضررين من الريع و الفساد و الحيف الطبقي، و بإرادة راسخة في بناء دولة القانون و مجتمع المواطنة.
أما حزب العدالة والتنمية القائد للحكومة (وليس الحكم طبعا)، فقد حذر لحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، من خطورة الفساد على استقرار المجتمع، لأنه "يشكل إرهابا ضد المجتمع ولابد من منظومة ردع في مستوى خطورة هذا الإرهاب الذي تأكد أنه عندما يستشري يهدد الكيان والاستقرار برمته"، واعتبر الشوباني، في افتتاح لقاء دراسي مع المجتمع المدني والإعلام حول مشروع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، صباح يوم الأربعاء 30 /01/2013 في الرباط، أنه إذا لم يشعر المواطن في نهاية المطاف بوجود حماية قوية ومنيعة من استهدافات الفساد فإن كل التدابير والإصلاحات إنما تمارس نوعا من الخداع الذي يتجمع لكي يصير انفجارا في لحظة من اللحظات.
وسجل الشوباني أن رفع شعار إسقاط الفساد في الاحتجاجات التي عرفها المغرب، قبل سنتين، يشكل إدانة لمجمل ما بذل من جهود، وهو حكم قاس على كل الجهود المبذولة، ومضمونه أن المجتمع لا يحظى بحماية من الفساد في كل المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، مما جعله عرضة للرشوة واستغلال النفوذ ونهب واختلاس المال العام، حيث أكد أن هناك "توحشا للفساد".
وفي خلاصات تجميع النقاش حول واقع حركة 20 فبراير في اطار اللقاء التشاوري الجهوي الذي عرفته مدينة الدار البيضاء يومي 19 و 20 يناير، بحضور ممثلين عن مناطق : سيدي بنور، الجديدة، المحمدية، الرباط، القنيطرة، الخميسات، سوق السبت / بني ملال و البيضاء، بعد جلسة الافتتاح وجلستين عامتين، و التي عرفت نقاشا هادئا و عميقا، فيما يلي بعض مما ورد في الخلاصات والتوصيات:
(...)
لا يختلف اثنان على أن أرضية حركة 20 فبراير حين طرحت إبان تحديد تاريخ النزول إلى الشارع، كانت متوافقا عليها بين حساسيات سياسية و لا عيب في دلك، وكثفت في مطالبها تاريخ الحركة الديمقراطية في المغرب ونضالاتها المريرة ضد الحكم المخزني وهي شرعية نضالية وتاريخية تسمح بعدم إحداث القطيعة بين النضالات الحالية ونضالات الشعب المغربي وقواه الحية تاريخيا. (...)
إن دور القوى السياسية لا محيد عنه في أي تغيير لأنها تطرح منتهى الاحتجاج وآفاقه ، سواء كانت جذرية او إصلاحية، مما يطرح إعادة تمحيص مشروع الدولة المستقبلي، ارتكازا إلى مضمون الحكم وليس فقط شكله، فكم من جمهورية كانت أشد بطشا وديكتاتورية. إن مضمون الحكم يفرض التدقيق في مطامح الشعب المغربي من أجل الديمقراطية، رفع اليد عن مقدرات وثروات الوطن، الحسم النهائي في أن العدل والقانون يداران بقضاء يعلو ولا يعلا عليه. (...)
إن من الأكيد أن الحركات الاحتجاجية التي اندلعت مؤخرا في ربوع الوطن تجد دائما حركة 20 فبراير قالبا ووعاء لها، من مناجم إيميضر إلى دوار الشليحات إلى سيدي يوسف بن علي إلى فيكيك ...الخ. لذا فهذه الحركة ستستمر في الزمن، ويجب الحفاظ على شرارتها، خصوصا وأن المخططات المستقبلية للمخزن ستضرب في العمق القدرة الشرائية للمواطنين وستكون كارثية خصوصا مع مشروع صندوق المقاصة، صندوق التقاعد، حصانة الصناديق السوداء، حصانة العسكر، قمع الاحتجاجات السلمية، وشرعنة هاته الهجمة من طرف النخب السياسية المخزنية.
إن فك كماشة المخزن عن الحركة يقتضي توسيع هامش حلفائها الموضوعيين ليس فقط على الصعيد المحلي بل أيضا ارتباطا مع الحراك في المحيط الإقليمي. فحركة 20 فبراير مطروح عليها فتح تنسيقات واضحة، لم لا مع الانتفاضة في تونس و البحرين، قوى التحرر في الربيع المغاربي وأيضا الحراك الشعبي بإسبانيا واليونان. (...)
ان المرحلة تفرض تسليط الضوء على الجانب الإعلامي وارتباطا بالجانب الثقافي والذين يشكلان عماد وأساس المعركة المقبلة، فالإعلام والتواصل مسألة حيوية في أي معركة تغييرية، لهذا يجب التفكير بمنطق المبدئية والاحترافية في صياغة فضاءات بديلة للإعلام المخزني قوامها الطاقات الإبداعية لنشطاء الحركة باعتماد أساليب حديثة في التواصل من قبيل دينامية الجماعة، المواقع الالكترونية، المتابعة المهنية للخبر الحقيقي و ابانته.
إن التغيير الجذري كان عبر تاريخ القوى السياسية المناضلة مطمحا ومشروعا في مواجهة سطوة المخزن، وصل حد الصراع المسلح ضد الحكم لكنه أخذ صيغة النضال الديمقراطي الجماهيري في صيرورة تراكم الصراع، لكن المرحلة الحالية أفرزت ظاهريتين مرضيتين، أولا: التنطع والمزايدات التي تتعالى على الواقع الموضوعي بتقسيم الحركة إلى جذريين وخونة باعتبار أن هذه المقاربة تبقى وفية لأمراض اليسار الطفولي التي تنتج الخطابة أكثر من التصورات الواضحة لإدارة الصراع الطبقي من منطق التحليل الملموس للواقع الملموس، ثانيا: تخلي بعض القوى السياسية عن الربط الجدلي بين النضال الديمقراطي والنضال الجماهيري باعتبار أن لا أحد يستقيم من دون الآخر، وأنه لا إمكانية لإنجاح أي مشروع ديمقراطي بدون سند جماهيري وعمق شعبي. إن نجاح الحراك الشعبي في تحقيق أهدافه لن يتم إلا عبر تصور واضح للتحالفات في أفق جبهة واسعة تضع حدا فاصلا مع دوائر المخزن وفق برنامج واضح المعالم