طيارون بشهادات مزوّرة في الجوية الجزائرية
الجزائر: م. دكار
آلاف المسافرين في خطر ومديرية الطيران المدني في قفص الاتهام
قال عدد من طياري الخطوط الجوية الجزائرية، ولاسيما من ذوي الخبرة، لـ''الخبر''، إنهم لاحظوا، في السنوات الأخيرة، أن مستوى الطيارين الذين يعملون إلى جانبهم، أو ما يعرف لدى أهل الاختصاص بـ''كو بيلوت'' أو الطيار المساعد، متدنٍ للغاية، ما جعلهم يقومون بتأطيرهم ورسكلتهم أثناء التحليق،
أي خلال ساعات الطيران، وهو ما يشكل، يقول الطيارون القدامى، خطرا على أمن وسلامة المسافرين، خاصة أن الطيارين ضعيفي المستوى قد يكونون طيارين رئيسيين يوما ما.
كانت الملاحظة الصادرة عن طيارين قدامى وذوي خبرة، العاملين عبر مختلف رحلات الخطوط الجوية الجزائرية، المحلية والخارجية، كفيلة لنبحث في أصل مشكل تدني مستوى عدد كبير من الطيارين محل الانتقاد، ولاسيما أن الأمر صدر من مختصين، وأنه يتعلق بأمن وسلامة آلاف المسافرين عبر الخطوط الجوية الجزائرية.
بعد تسجيلنا هذه الملاحظات، توجهنا إلى بعض الطيارين لنسألهم عن حقيقة ما قدمه زملاؤهم القدامى من ملاحظات بشأن مستوى الطيارين الجدد، فكان الرد أنها حقيقية. وأضاف هؤلاء أنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لمرافقة وتأطير ورسكلة الطيارين الجدد، وتقديم دروس نظرية وتطبيقية خلال ساعات الطيران، كون ''الجدد'' غالبا ما يكونون مساعدي طيار وليس طيارا رئيسيا أو قائد الطائرة أو قائد الرحلة، والأمر هنا عادي، عندما يتم حساب ساعات طيران.
ويؤكد هؤلاء أن مستوى تكوين هؤلاء الطيارين متدنٍ للغاية، ما جعلهم يتساءلون عن نوعية التكوين الذي تلقاه هؤلاء، وعن هوية المدارس التي تلقى فيها هؤلاء تكوينهم القاعدي. وإلى هنا كانت وجهتنا في التحقيق، حيث علمت ''الخبر'' أن عددا كبيرا من الطيارين الذين تم توظيفهم في شركة الخطوط الجوية الجزائرية، يحملون شهادات صادرة عن مدارس خاصة من جنوب إفريقيا والأردن.
وأضافت مصادر مطّلعة ومتابعة لهذا الملف، أن عددا من هؤلاء الطيارين يتوجهون فعلا إلى جنوب إفريقيا والأردن، حيث يتحصّلون على شهادات طيران من مدارس خاصة بعد الخضوع لتعليم مختص، وبعدها يعودون إلى الجزائر ويطلبون من مديرية الطيران المدني الترخيص لهم بالتوجه إلى الأردن للمصادقة على الشهادة التي أحضروها من جنوب إفريقيا، وهنا يطرح السؤال: ''أليس لدينا في الجزائر إمكانات للقيام بهذه المهمة؟''. وعند الانتهاء من هذه المرحلة، يقوم هؤلاء بوضع شهاداتهم لدى مديرية الطيران المدني بوزارة النقل التي تقوم بدورها بعد ذلك بما يسمى معادلة الشهادة. إلى هنا كان الأمر يبدو عاديا، لكننا عندما استفسرنا عن قانونية الإجراء، أي ''معادلة شهادة ليسانس الطيران''، كشفت لنا مصادرنا أن إجراء المعادلة الذي تقوم به مديرية الطيران المدني بوزارة النقل، غير قانوني. وأضافت مصادرنا أن السلطات الجزائرية هي الوحيدة في العالم التي تقوم بمعادلة ليسانس الطيران، وأن القوانين تنظم مثل هذه الحالات.
نقلنا المشكلة إلى مسؤول بالخطوط الجوية الجزائرية، حيث أكد لنا أن القانون واضح في هذا الشأن، من ذلك المرسوم التنفيذي رقم 04ـ414 الصادر يوم 20 ديسمبر 2004 المتعلق بتحديد شروط ممارسة نشاط مستخدمي الطيران المدني، خاصة المواد 10 و11 من ذات المرسوم.
وبشيء من التفصيل، قال لنا المصدر ذاته إن ما يجب أن يكون عند عودة هؤلاء الطيارين حاملين لشهادات طيران من مدارس جنوب إفريقيا أو الأردن أو من غيرهما من البلدان، أن يجري هؤلاء امتحانات خاصة، يشرف عليها مختصون وطنيون تعيّنهم السلطة الوصية، وهي في هذه الحالة مديرية الطيران المدني بوزارة النقل، على أن يتم تقييمهم تقييما دقيقا، قبل تسليمهم شهادة مطابقة ليسانس الطيران.
أكثر من ذلك، قالت المصادر ذاتها إنه كان يتوجب على مديرية الطيران المدني أن تحدد المدارس التي تعتمدها، وهي التي تحدد البرنامج الدراسي المعتمد من قبل السلطات الجزائرية، على أن يقوم أساتذة مختصون تعيّنهم ذات الهيئة بتحديد أسئلة الامتحانات، وهي التي تعيّن من يراقب الامتحان، وهي التي تعيّن الأساتذة المصححين، وبعدها تستصدر شهادة ليسانس الطيران، قبل أن يتوجه أصحاب تلك الشهادات للعمل في الخطوط الجوية الجزائرية. وهنا علمنا أيضا أن هؤلاء الطيارين لا يحوزون ما يسمى ''لوك بوك''، وهو الدفتر الخاص بكل طيار يحدد بدقة ساعات الطيران التي أجراها قبل حصوله على الشهادة، وهو ما يعني بالضرورة أن هؤلاء لم يقوموا أبدا بالطيران.
وأكدت مصادرنا أن مديرية الطيران المدني بوزارة النقل، وفي العديد من الحالات، اكتفت بمعادلة الشهادات التي أحضرها هؤلاء الطيارين من جنوب إفريقيا، بعدما تمنح ترخيصا لعدد من هؤلاء ليتوجهوا إلى الأردن من أجل مطابقة الشهادات الأولى التي حصلوا عليها، قبل العودة إلى الجزائر لمعادلة ليسانس الطيران والعمل بهذه الشهادة كطيار خطوط، مع الإشارة هنا إلى أن الشهادات التي تصدرها جنوب إفريقيا مدوّن عليها الملاحظة التالية ''الشهادة لا يسمح لحاملها العمل بها كطيار في جنوب إفريقيا''، وهو ما يعني أنها (الشهادة) غير ذات معنى.
وكان آخر فوج توجّه إلى الأردن بترخيص من الهيئة الوصية بوزارة النقل، قبل حوالي 5 أشهر، وتحصل أفراده على شهادة طيار خطوط، مع أنه يستحيل، حسب المختصين، الحصول على هذا الدبلوم في آجال قصيرة.
في السياق ذاته، علمت ''الخبر'' أن هناك كيلا بمكيالين من قبل هيئة الطيران المدني بشأن ملفات هؤلاء، حيث منحت قبل شهرين رخصة لطيارين اثنين للتوجه إلى الأردن لمطابقة الشهادة الأولى التي حصلوا عليها، فيما تم رفض طلبات عدد آخر، ما يدفع إلى التساؤل عن السبب والخلفيات.
وما تجدر الإشارة إليه هنا، أن هناك 4 مدارس جزائرية لتعليم الطيران بكل من وهران ومعسكر وباتنة وحاسي مسعود، إضافة إلى 3 مدارس خاصة مختصة في تعليم اللغة الإنجليزية المتخصصة في الطيران المدني. وهنا يطرح التساؤل عن سبب السماح بالالتحاق بمدارس أجنبية غير معتمدة من الطيران المدني الجزائري، فيما ضرب مسؤولو هيئة وزارة النقل توجيهات رئيس الجمهورية التي تضمنها المرسوم الصادر بتاريخ 4 مارس 2012، المتعلق بمنح الأولوية للمؤسسات الوطنية العمومية والخاصة، بعرض الحائط.
وبعد كل هذا، عاودت ''الخبر'' الاتصال بقدامى طياري الخطوط الجوية الجزائرية، ممن تقاعدوا وآخرين مازالوا في الخدمة، وعندما كشفنا لهم مسار عدد من الطيارين، ولاسيما أصحاب الشهادات الصادرة من جنوب إفريقيا والأردن، قالوا إن الأمر غير مقبول تماما ويمس حقا بأمن وسلامة المسافرين. وقد حاولنا الاتصال بمسؤولي وزارة النقل لرصد موقفهم، غير أن لا أحد يرد