إن الايمان الصحيح بالدولة العلمانية، لا يعني نفي وجود الممارسة الدينية داخل هذه الدولة، أو إقصاءها، بقدر ما يعني فصل الدين عن السياسة؛ حتى نضمن لهذا الدين مناعة تحميه من نفاق الساسة والسياسة.
لقد شكل الصراع ما بين التفكير العقلي، والتفكير الحبيس لسلطة النص، ملحمة كبيرة في تاريخ العقل العربي/ الاسلامي، يترجمه بوضوح السجال الذي قام بين فريق المعتزلة، وفريق الأشاعرة، في مرحلة متقدمة من تاريخنا الثقافي، والذي لا يزال يلقي بظلاله على مكونات الوعي الجمعي عندنا، إلى يومنا هذا.
إننا أمام معادلة صعبة، وصراع الضدين حاضر بقوة.. صراع ما بين وجهة نظر، تريد التحرر من سلطة النص الديني في ممارسة السياسة؛ حتى تقطع دابر منطق الشرعية الدينية، وتفتح المجال أمام التنافس السياسي الديموقراطي، على أرضية ومشاريع وبرامج سياسية، تهم جميع المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.. مشاريع تستحضر في صياغتها الشروط الداتية والموضوعية؛ حتى تكون قابلة للإنجاز، ولا تكون مجرد أضغاط أحلام، أو مجرد شعارات انتخابوية، لا غير..
ووجهة نظر أخرى، ترى في استحضار النص الديني، ذريعة أساسية لتثبيت الحالة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للمجتمع.. بل، أكثر من ذلك، يذهب أصحاب هذه الرؤية، إلى نوع من الغلو في التعاطي بنوع من القداسة الدينية مع قضايا سياسية، لا ترقى بأن تأخد طابع التقديس.
هكذا يتشكل ـ إذاً ـ الموروث الثقافي المغربي، وهو منسجم كل الانسجام مع الموروث الثقافي العربي، عنوانه الرئيسي: إما الدعوة إلى التحرر من ثقافات الماضي، والعمل على إعمال العقل في تدبير الشأن السياسي، من خلال تلاقحه مع ثقافات الشعوب الأخرى، بمنطق تطوير العملية الديموقراطية في البلاد العربية، والمغرب واحد منها.. وإما الدعوة إلى الرجوع للماضي العربي/ إلى الذات كمحور أساسي لدوران العملية السياسية.
من داخل هالة الضوء ـ هذه ـ نحاول أن نجيب بعجالة على سؤال أساسي:
* هل العلمانية تصلح للمغرب؟
أعتقد أننا لو حاولنا تشخيص الحالة المغربية على المستوى السياسي، نجدها غريبة بعض الشيء عن المفاهيم السياسية المتعارف عليها دوليا.
إن المغرب يعيش فعلا اغترابا سياسيا قاسيا، نشخصه في مكونات الحكومة المغربية، حيث نجد زواجا سياسيا بين مكوناتها الحزبية، هو أشبه بكثير بزواج المتعة، يبوح به التناقض الصارخ بينها على مستوى نظرياتها الفكرية.
نعم، قد تتغير معالم هذا التيه السياسي بالمغرب في المستقبل، وهو تغير تفرضه مجموعة من الشروط المحلية، والإقليمية، والدولية، من قبيل تحسن مستوى الوعي السياسي لدى السواد الأعظم من الشعب المغربي، والعمل الدؤوب للدولة المغربية في سياستها الاستراتيجية على الرفع من المستوى الاستباقي؛ لتفادي وجود الخلل في جميع المستويات/ السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ الثقافية-/ .. هذه الثنائية ـ إذاً ـ ستشكل حافزا أساسيا في تطوير الممارسة السياسية في المغرب.. فمن جهة، سيفرز تحسن الوعي السياسي لدى الجماهير الشعبية المغربية وضعا جديدا للحركة الاحتجاجية بكل تلاوينها السياسية، وأهدافها المطلبية، مما سيفتح المجال أمام الاحتجاج الشعبي كي يمتد في خطيه الأفقي والعمودي.. واحتكاما إلى منطق موازين القوى، ستكون الشروط الذاتية، والموضوعية، لصالح الحركة الاحتجاجية للرفع من سقف مطالبها، في الوقت الذي سيجد فيه صانع القرار المغربي نفسه أمام خيار نهج خطة استباقية؛ من خلال تقديم مجموعة من التنازلات، على أساس امتصاص لغم عنف الجماهير الثوري الذي قد ينفجر في أي لحظة.
إذاً، هذه العلاقة التفاعلية ما بين تحسن الوعي السياسي للجماهير الشعبية، وتنازلات صانع القرار السياسي، تشكل لبنة أساسية في بناء الدولة الديموقراطية/ العلمانية التي تجعل الإنسان/ الفرد محور تطورها الاقتصادي، والاجتماعي، ومحرك قاطرة تنميتها